على أنّا لا نسلّم أنّ ذلك مجاز ؛ لأنّ تعارف الخطاب في هذه اللفظة واستعمالها في الغالب مع الحذف بجعل المفهوم منها هو الحقيقة ؛ لأنّهم يقولون : «انتظرت زيدا» ، «أنا منتظر فلانا» فيستعملون لفظ الانتظار مع حذف ما يتعلّق به على الحقيقة من الأفعال ؛ لأنّ الانتظار لا يصحّ على ذات زيد ، وإنّما يصحّ على أفعاله ، وجرى مجرى لفظ «الملك» في قولهم : «فلان ملك داره وعبده» ، في أنّه وإن تعلّق محذوف فهو الحقيقة بالعرف ، وهذا الاستعمال مع الحذف أظهر وأشهر من قولهم : «تملّك التصرّف في داره وعبده».
وقد روي عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه وآله ـ وعن جماعة من أصحابه والتابعين ، كابن عبّاس ومجاهد في هذه الآية وجه آخر ، وهو أن يكون المراد أنّها ناظرة إلى ثواب ربّها ؛ لأنّ الثواب ممّا يصحّ عليه الرؤية ، فحذف ذكر الثواب كما حذف في قوله تعالى : (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (١) وقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) (٢) وما أشبه ذلك.
وليس يمتنع أن يريد تعالى بالآية الوجهين معا ، فيريد أنّها منتظر ثوابه ومنتظر إليه وتعانيه مستبشرة به.
فإن قالوا : فكيف يوصف أهل الجنّة بالانتظار والمنتظر لا يكون نعمه خالصا ، بل لا بدّ أن يكون مغموما منتقطا؟
قلنا لهم : إنّما يلحق الغمّ والتنقيص المنتظر متى كان ما ينتظره يحتاج إليه في الحال ، وملحقة بقوله : «ناظرة» وهو غير قاطع على الوصول إليه ، فأمّا من ينتظر شيئا هو غير محتاج إليه في الحال ، وهو واثق بوصوله إليه عند حاجته ، فهو غير مغموم ولا متنقص ، بل ذلك زائد في سروره ونعيمه.
وليس لهم أن يقولوا : إنّ من قطع على حصول الشيء ، لا يوصف بأنّه منتظر له!
وذلك أنّ الانتظار هو توقّع ما يعلم أو يظنّ حصوله في المستقبل ، ولا فرق
__________________
(١) سورة الغافر ، الآية : ٤٢.
(٢) سورة الفجر ، الآية : ٢٢.