فيه بين العلم والظنّ ، وكيف يكون كذلك وقد حمل جماعة من الصحابة الآية على الانتظار ، وليس هم ممّن يخفى عليه حقيقة الانتظار ، وقد قال الله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) (١) ، وإنّما أراد به الانتظار الذي يصاحب العلم لا محالة.
وقد يمكن في الآية ـ على تسليم أنّ النظر فيها هو الرؤية ـ وجه آخر لا يفتقر فيه إلى تقدير محذوف يتعلّق بالرؤية ، إذا حملناه على الرؤية ، وإن حملنا النظر في الآية على الانتظار لم نحتج أيضا إلى تقدير محذوف ، وهو أن نحمل قوله : (إِلى رَبِّها) على أنّ المراد به نعمة ربّها ؛ لأنّ الآلاء (٢) النعم ، وفي واحدها لغات أربع يقال : إلى مثل أنا وإلى مثل معى (٣) ، إلى مثل إني (٤) وإلى مثل حلى (٥).
قال أعشى بكر بن وائل :
أبيض لا يرهب الهزال ، ولا |
|
يقطع رحما ، ولا يخون إلا (٦) |
أراد لا يخون نعمة من أنعم عليه.
وإنّما أسقط التنوين من (إِلى رَبِّها) للإضافة ، وهذا وجه قاطع للسيف (٧).
وليس لأحد أن يطعن على هذا الوجه أنّه مبتدع لم يسبق إليه أحد من المفسّرين وأهل التأويل!
وذلك إنّ ما طريقه الاستنباط والاستخراج ، يجوز أن يقع للمتأخّر فيه ما لا يقع للمتقدّم ، وإن كان الوجه جائزا صحيحا لم يضرّه ألّا يسبق إليه.
على أنّه غير مسلّم أنّه لم يسبق إليه ؛ لأنّ التأويلين المرويّين عن الصحابة
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢١٠.
(٢) الآلاء معناها النعم ومفردها إلى.
(٣) الأمعاء جمع معدة.
(٤) الإني : واحد الإناء.
(٥) في الأصل : حسى.
(٦) ديوانه ، ١٥٥ ، لسان العرب (ألى) أبيض : كريم ، الهزال كناية عن قلّة ذات اليد ، وخيانة النعمة أن يبخل بها.
(٧) هكذا تقرأ الكلمة في الأصل.