بذكر المصدر قائما مقام نفى الموت ، وسادّا مسدّ قوله : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ) ليس بموت.
ويمكن أن يكون في الآية وجه آخر لم يذكر فيها ، وهو أن السّبات ليس هو كلّ نوم ، وإنّما هو من صفات النوم إذا وقع على بعض الوجوه ، والسّبات هو النوم الممتدّ الطويل السكون ، ولهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم إنّه مسبوت ، وبه سبات ؛ ولا يقال ذلك في كلّ نائم ، وإذا كان الأمر على هذا لم يجر قوله : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) مجرى أن يقول : وجعلنا نومكم نوما.
والوجه في الامتنان علينا بأن جعل نومنا ممتدّا طويلا ـ ظاهر ، وهو لما في ذلك لنا من المنفعة والراحة ؛ لأنّ التهويم والنوم الغرار لا يكسبان شيئا من الراحة ؛ بل يصحبهما في الأكثر القلق والانزعاج ، والهموم وهي التي تقلّل النوم وتنزّره ، وفراغ القلب ورخاء البال يكون معهما غزارة النوم وامتداده ؛ وهذا واضح.
[أقول] : وجدت أبا بكر محمّد بن القاسم الأنباريّ يطعن على الجواب الذي ذكرناه أوّلا ، ويقول : إنّ ابن قتيبة أخطأ في اعتماده ؛ لأنّ الراحة لا يقال لها : سبات ، ولا يقال : سبت الرجل بمعنى استراح وأراح ، ويعتمد على الجواب الذي ثنّينا بذكره ، ويقول فيما استشهد به ابن قتيبة من قولهم سبتت المرأة شعرها : إن معناه أيضا القطع ، لأنّ ذلك إنّما يكون بإزالة الشّداد الذي كان مجموعا به وقطعه.
والمقدار الذي ذكره ابن الأنباري لا يقدح في جواب ابن قتيبة ، لأنّه لا ينكر أن يكون السبات هو الراحة والدعة إذا كانتا عن نوم ، وان لم توصف كلّ راحة بأنها سبات ، ويكون هذا الاسم يختصّ الراحة إذا كانت على هذا الوجه ؛ ولهذه نظائر كثيرة في الأسماء ، وإذا أمكن ذلك لم يكن في امتناع قولهم : سبت الرجل بمعنى استراح في كلّ موضع دلالة على أنّ السّبات لا يكون اسما للراحة عند النوم ؛ والذي يبقى على ابن قتيبة أن يبيّن أن السبات هو الراحة والدعة ،