قلنا : ليس في ظاهر الآية ألّا نشاء إلّا ما شاءه الله تعالى في حال مشيئتنا كما ظننتم ؛ وإنّما يقتضي حصول مشيئته لما نشاؤه من الاستقامة من غير ذكر لتقدّم ولا تأخّر ؛ ويجري ذلك مجرى قول القائل : ما يدخل زيد هذه الدار إلّا أن يدخلها عمرو ؛ ونحن نعلم أنّه غير واجب بهذا الكلام أن يكون دخولهما في حالة واحدة ؛ بل لا يمتنع أن يتقدّم دخول عمرو ، ويتلوه دخول زيد ، و «أن» الخفيفة وإن كانت للاستقبال على ما ذكروه ، فلم يبطل على تأويلنا معنى الاستقبال فيها ؛ لأنّ تقدير الكلام : وما تشاؤون الطاعات إلّا بعد أن يشاء الله تعالى ، ومشيئته تعالى قد كانت لها حال الاستقبال.
وقد ذهب أبو عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبّائيّ إلى أنه لا يمتنع أن يريد تعالى الطاعات حالا بعد حال ؛ وإن كان قد أرادها في حال الأمر ، كما يصحّ أن يأمر بها أمرا بعد أمر ؛ قال : لأنّه قد يصحّ أن يتعلّق بإرادته ذلك منّا بعد الأمر وفي حال الفعل مصلحة ؛ ويعلم تعالى أنّا نكون متى علمنا ذلك كنّا إلى فعل الطاعات أقرب ، وعلى هذا المذهب لا يعترض بما ذكروه.
والجواب الأول واضح إذا لم نذهب إلى مذهب أبي عليّ في هذا الباب ؛ على أنّ اقتضاء الآية للاستقبال من أوضح دليل على فساد قولهم ؛ لأنّ الكلام إذا اقتضى حدوث المشيئة واستقبالها بطل قول من قال منهم : إنّه مريد لنفسه ، أو مريد بإرادة قديمة ، وصحّ ما نقوله من إنّ إرادته متجدّده محدثة.
ويمكن في تأويل الآية وجه آخر مع حملنا إيّاها على العموم ؛ من غير أن نخصّها بما تقدّم ذكره من الاستقامة ؛ ويكون المعنى : وما تشاؤون شيئا من فعالكم إلّا أن يشاء الله تمكينكم من مشيئته ، وإقداركم عليها والتخلية بينكم وبينها ؛ وتكون الفائدة في ذلك الإخبار عن الافتقار إلى الله تعالى ؛ وأنّه لا قدرة للعبد على ما لم يقدّره الله تعالى عزوجل ، وليس يجب عليه أن يستبعد هذا الوجه ؛ لأنّ ما تتعلّق به المشيئة في الآية محذوف غير مذكور ؛ وليس لهم أن