(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) : إنّهما الثديان ، فقال عليهالسلام : لا ، إنهما الخير والشرّ.
وروي عن الحسن أنّه قال : بلغني أنّ رسول لله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «أيها الناس ، إنّهما نجدان : نجد الخير ونجد الشر ، فما جعل نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير».
وروي عن قوم آخرين أنّ المراد بالنّجدين ثديا الأمّ.
فإن قيل : كيف يكون طريق الشرّ مرتفعا كطريق الخير ، ومعلوم أنّه لا شرف ولا رفعة في الشرّ؟.
قلنا : يجوز أن يكون إنّما سمّاه نجدا لظهوره وبروزه لمن كلّف اجتنابه ؛ ومعلوم أنّ الطريقتين جميعا باديان ظاهران للمكلّفين. ويجوز أيضا أن يكون سمّي طريق الشرّ نجدا من حيث يحصل في اجتناب سلوكه والعدول عنه الشرف والرفعة ؛ كما يحصل مثل ذلك في سلوك طريق الخير ؛ لأنّ الثواب الحاصل في اجتناب طريق الشرّ كالثواب في سلوك طريق الخير.
وقال قوم : إنّما أراد بالنجدين أنّا بصرناه وعرفناه ما له وعليه ، وهديناه إلى طريق استحقاق الثواب ؛ وثنّى النجدين على طريق عادة العرب في تثنية الأمرين إذا اتّفقا في بعض الوجوه ، وأجرى لفظة أحدهما على الآخر ، كما قيل في الشمس والقمر : القمران ، قال الفرزدق :
لنا قمراها والنّجوم الطّوالع (١)
ولذلك نظائر كثيرة.
فأمّا قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ؛ ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكون (فَلَا) بمعنى الجحد وبمنزلة «لم» ، أي فلم يقتحم العقبة ؛ وأكثر ما يستعمل هذا الوجه بتكرير لفظ «لا» ؛ كما قال سبحانه : (فَلَا
__________________
(١) ديوانه : ٥١٩ ؛ صدره :
أخذنا بآفاق السّماء عليكم