صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (١) أي لم يصدّق ولم يصلّ ، وكما قال الحطيئة :
وإن كانت النّعماء فيهم جزوا بها |
|
إن أنعموا ، لا كدّروها ولا كدّوا (٢) |
وقلّما يستعمل هذا المعنى من غير تكرير لفظ ؛ لأنهم لا يقولون : لا جئتني ولا زرتني ؛ يريدون : ما جئتني ؛ فإن قالوا : لا جئتني ولا زرتني صلح ؛ إلّا أنّ في الآية ما ينوب مناب التكرار ويغني عنه ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ؛ فكأنّه قال : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ، ولا آمن ؛ فمعنى التكرار حاصل.
والوجه الآخر : أن يكون «لا» جارية مجرى الدعاء ؛ كقولك : لا نجا ولا سلم ، ونحو ذلك.
وقال قوم : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) أي فهلّا اقتحم العقبة! أو أفلا اقتحم العقبة قالوا : ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ، ولو كان أراد النفي لم يتّصل الكلام.
وهذا الوجه ضعيف جدّا ، لأنّ قوله تعالى : (فَلَا) خال من لفظ الاستفهام ، وقبح حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع ، وقد عيب على عمر بن أبي ربيعة قوله :
ثمّ قالوا : تحبّها؟ قلت : بهرا |
|
عدد القطر والحصى والتراب (٣) |
فأمّا الترجيح بأنّ الكلام لو أريد به النفي لم يتصل وقد بيّنا أنّه متّصل ، مع أنّ المراد به النفي ؛ لأنّ قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) معطوف على قوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ، أي فلا اقتحم العقبة ، ثمّ كان من الذين آمنوا. والمعنى أنّه ما اقتحم العقبة ولا آمن ؛ على ما بيّنّا.
فأمّا المراد بالعقبة فاختلف فيه ، فقال قوم : هي عقبة ملساء في جهنّم ، واقتحامها فكّ رقبة. وروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ أمامكم عقبة كؤودا لا
__________________
(١) سورة القيامة ، الآية : ٣١.
(٢) ديوانه : ٢٠.
(٣) ديوانه : ٤٢٣ (مطبعة السعادة).