الجواب : قلنا : إنّ العالم الّذي نعته الله تعالى في هذه الآيات فلا يجوز إلّا أن يكون نبيّا فاضلا ، وقد قيل : إنّه الخضر عليهالسلام ، وأنكر أبو علي الجبّائيّ ذلك وزعم أنّه ليس بصحيح قال : لأنّ الخضر عليهالسلام يقال : إنه كان نبيّا من أنبياء بني إسرائيل الذين بعثوا من بعد موسى عليهالسلام. وليس يمتنع أن يكون الله تعالى قد أعلم هذا العالم ما لم يعلمه موسى عليهالسلام ، وأرشد موسى عليهالسلام إليه ليتعلّم منه ، وإنّما المنكر أن يحتاج النبيّ عليهالسلام في العلم إلى بعض رعيته المبعوث إليهم ، فأمّا أن يفتقر إلى غيره ممّن ليس له برعية فجائز ، وما تعلّمه من هذا العالم إلّا كتعلّمه من الملك الّذي يهبط عليه بالوحي ، وليس في هذا دلالة على أنّ ذلك العالم كان أفضل من موسى في العلم ؛ لأنّه لا يمتنع أن يزيد موسى عليهالسلام في سائر العلوم الّتي هي أفضل وأشرف ممّا علّمه ، فقد يعلم أحدنا شيئا من سائر المعلومات وإن كان ذلك المعلوم يذهب إلى غيره ممّن هو أفضل منه وأعلم.
وأمّا نفي الاستطاعة فإنّما أراد بها أن الصبر لا يخفّ عليك انّه يثقل على طبيعتك ، كما يقول أحدنا لغيره : «إنّك لا تستطيع أن تنظر إلي» ، وكما يقال للمريض الّذي يجهده الصوم وإن كان قادرا عليه : إنّك لا تستطيع الصيام ولا تطيقه ، وربّما عبّر بالاستطاعة عن الفعل نفسه ، كما قال الله تعالى حكاية عن الحواريين : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) (١) فكأنّه على هذا الوجه قال : «إنّك لن تصبر ولن يقع منك الصبر». ولو كان إنّما نفى القدرة على ما ظنّه الجهّال ، لكان العالم وهو في ذلك سواء ، فلا معنى لاختصاصه بنفي الاستطاعة ، والّذي يدلّ على أنّه نفى عنه الصبر لاستطاعته قول موسى عليهالسلام في جوابه : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) ولم يقل : ستجدني إن شاء الله مستطيعا. ومن حقّ الجواب أن يطابق الإبتداء ، فدلّ جوابه على أنّ الاستطاعة في الابتداء هي عبارة عن الفعل نفسه.
وأمّا قوله : (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فهو أيضا مشروط بالمشيئة ، وليس بمطلق
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ١١٢.