على ما ذكر في السؤال ، فكأنّه قال ستجدني صابرا ولا أعصي لك أمرا إن شاء الله. وإنّما قدّم الشرط على الأمرين جميعا وهذا ظاهر في الكلام.
وأمّا قوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) فقد قيل : إنّه أراد شيئا عجبا ، وقيل : إنّه أراد شيئا منكرا ، وقيل : إنّ الأمر أيضا هو الداهية. فكأنّه قال : جئت داهية.
وقد ذهب بعض أهل اللغة إلى أنّ الإمر مشتقّ من الكثرة من أمر القوم إذا كثروا ، وجعل عبارة عمّا كثر عجبه ، وإذا حملت هذه اللفظة على العجب فلا سؤال فيها ، وإن حملت على المنكر كان الجواب عنها وعن قوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) واحدا.
وفي ذلك وجوه :
منها : انّ ظاهر ما أتيته المنكر ومن يشاهده ينكره قبل أن يعرف علّته.
ومنها : أن يكون حذف الشرط فكأنّه قال : إن كنت قتلته ظالما فقد جئت شيئا نكرا.
ومنها : أنّه أراد أنّك أتيت أمرا بديعا غريبا ؛ فإنّهم يقولون فيما يستغربونه ويجهلون علته : إنّه نكر ومنكر ، وليس يمكن إن يدفع خروج الكلام مخرج الاستفهام والتقرير دون القطع. ألا ترى إلى قوله : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) (١) وإلى قوله : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) (٢). ومعلوم أنّه إن كان قصد بخرق السفينة إلى التغريق ، فقد أتى منكرا. وكذلك إن كان قتل النفس على سبيل الظلم.
وأمّا قوله : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) (٣) فقد ذكر فيه وجوه ثلاثة :
أحدها : أنّه أراد النسيان المعروف ، وليس ذلك بعجب مع قصر المدّة ، فإنّ الإنسان قد ينسى ما قرب زمانه لما يعرض له من شغل القلب وغير ذلك.
والوجه الثاني : انّه أراد لا تأخذني بما تركت. ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) (٤) أي ترك ، وقد روي هذا الوجه عن
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٧١.
(٢) سورة الكهف ، الآية : ٧٤.
(٣) سورة الكهف ، الآية : ٧٣.
(٤) سورة طه ، الآية : ١١٥.