ابن عبّاس ، عن أبيّ بن كعب ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : قال موسى : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) يقول : بما تركت من عهدك.
والوجه الثالث : انّه أراد لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان فسمّاه نسيانا للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة يوسف عليهالسلام : إنّكم لسارقون ، أي إنّكم تشبهون السرّاق ، وكما يتأوّل الخبر الّذي يرويه أبو هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «كذب إبراهيم عليهالسلام ثلاث كذبات في قوله : سارة اختي ، وفي قوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) وقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، والمراد بذلك ـ إن كان هذا الخبر صحيحا ـ أنّه فعل ما ظاهره الكذب. واذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها. وإذا حملناها على النسيان في الحقيقة كان الوجه فيه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما لا يجوز عليه النسيان فيما يؤدّيه عن الله تعالى أو في شرعه أو في أمر يقتضي التنفير عنه فأمّا فيما هو خارج عمّا ذكرناه فلا مانع من النسيان ، ألا ترى أنّه إذا نسي أو سهى في مأكله أو مشربه على وجه لا يستمرّ ولا يتّصل ، ينسب إلى أنّه مغفل ، فإنّ ذلك غير ممتنع. وأمّا وصف النفس بأنّها زكية فقد قلنا : إنّ ذاك خرج مخرج الاستفهام لا على سبيل الإخبار. وإذا كان استفهاما فلا سؤال على هذا الموضع. وقد اختلف المفسّرون في هذه النفس ، فقال أكثرهم : إنّه كان صبيّا لم يبلغ الحلم ، وأنّ الخضر وموسى عليهماالسلام مرّا بغلمان يلعبون ، فأخذ الخضر عليهالسلام منهم غلاما فأضجعه وذبحه بالسكين. ومن ذهب إلى هذا الوجه يجب أن يحمل قوله زكية على أنّه من الزكاة الذي هو الزيادة والنماء ؛ لأنّ الطهارة في الدين من قولهم : زكت الأرض تزكو : إذا زاد ريعها.
وذهب قوم إلى أنه كان رجلا بالغا كافرا ولم يكن يعلم موسى عليهالسلام باستحقاقه القتل ، فاستفهم عن حاله. ومن أجاب بهذا الجواب إذا سئل عن قوله تعالى : (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) (١) يقول لا يمتنع تسمية الرجل بأنه غلام على مذهب العرب وإن كان بالغا.
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٧٤.