فأمّا قوله : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) فالظاهر يشهد أنّ الخشية من العالم لا منه تعالى. والخشية ههنا قيل : العلم ، كما قال الله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) (١) وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (٢) وقوله عزوجل : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) (٣) وكل ذلك بمعنى العلم.
وعلى هذا الوجه كأنّه يقول : إنّني علمت بإعلام الله تعالى لي أنّ هذا الغلام متى بقي كفر أبواه ، ومتى قتل بقيا على إيمانهما ، فصارت تبقيته مفسدة ووجب اخترامه ، ولا فرق بين أن يميته الله تعالى وبين أن يأمر بقتله.
وقد قيل : إنّ الخشية هاهنا بمعنى الخوف الّذي لا يكون معه يقين ولا قطع. وهذا يطابق جواب من قال : إنّ الغلام كان كافرا مستحقّا للقتل بكفره ، وانضاف إلى استحقاقه ذلك بالكفر خشية إدخال أبويه في الكفر وتزيينه لهما.
قال قوم : إنّ الخشية ههنا هي الكراهية ، يقول القائل : فرّقت بين الرجلين خشية أن يقتتلا ، أي كراهة لذلك ، وعلى هذا التأويل والوجه الّذي قلنا : انّه بمعنى العلم ، لا يمتنع أن تضاف الخشية إلى الله تعالى.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) (٤) والسفينة البحرية تساوي المال الجزيل ، وكيف يسمّى مالكها بأنّه مسكين والمسكين عند قوم شرّ من الفقير؟ وكيف قال : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (٥) ومن كان وراءهم قد سلموا من شرّه ونجوا من مكروهة وإنّما الحذر ممّا يستقبل. قلنا : أما قوله : (لِمَساكِينَ) ففيه أوجه :
منها : أنّه لم يعن بوصفهم بالمسكنة ، الفقر ، وإنّما أراد عدم الناصر وانقطاع الحيلة ، كما يقال لمن له عدوّ يظلمه ويهضمه : إنّه مسكين ومستضعف وإن كان كثير المال واسع الحال ؛ ويجري هذا مجرى ما روي عنه عليهالسلام من قوله :
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ١٢٨.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٩.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ٢٨.
(٤) سورة الكهف ، الآية : ٧٩.
(٥) سورة الكهف ، الآية : ٧٩.