التعمّد ، بل لدواع أخر ـ إلى أن قال : ـ] (١) وقد جرت العادات التي لا يتمكّن أحد من دفعها بعمل الجماعات بخلاف ما نعلمه لبعض الأغراض وكتمان ما نعرفه لمثل ذلك ، وقد نطق الكتاب بمثله قال الله تعالى مخبرا عن أهل الكتاب : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢) وقال جل ذكره : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٣). وقد علمنا من جهة القرآن أيضا والأخبار ما وقع من ضلال قوم موسى عند دعاء السامري لهم إلى عبادة العجل ، وكثرة من اغترّ به ومال إلى قوله مع قرب عهدهم بنبيهم صلىاللهعليهوسلم وكثرة ما تكرر على أسماعهم من بيانه وحججه التي يقتضي جميعها توقي الشبهة بنفي التشبيه عن ربّه تعالى ، ولعلّ من ضلّ بعبادة العجل من قوم موسى عليهالسلام كانوا أكثر من جميع المسلمين الذين كانوا في المدينة لما قبض الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وإذا جاز الضلال والعدول عن المعلوم على أنّه من الأمم فهو على جماعة من جملة أمّة أجوز ، والذي يقوله المخالفون عند احتجاجنا بقصة السامري من أنّ ضلال قوم موسى لعبادة العجل إنّما كان للشبهة لا على طريق التعمّد والعناد ، وقولكم في النصّ يخالف هذا ؛ لأنّه كان معلوما لهم عندكم فعدلوا عنه وعملوا بخلافه ، غير صحيح ؛ لأنّ القوم الذين ضلّوا بالسامري قد كانوا من أمّة موسى عليهالسلام وممن سمع حججه وبيّناته ، وعرف شرعه ودينه ، وما كان يدعو إليه ، ونحن نعلم أن المعلوم من دين موسى لهم نفي التشبيه عن خالقه ، وأنّه دعاهم إلى عبادة من لا يشبه الأجسام ولا يحلّها (٤) ، وإذا كانوا عارفين بهذا من دينه ضرورة ، فليس تدخل عليهم شبهة فيه إلّا من حيث شكّوا في نبوته ، واعتقدوا أنّ ما دعاهم إليه ليس بصحيح ، ولم يكن القوم الذين ضلّوا بالسامري ممن أظهر الشكّ في نبوّة موسى عليهالسلام والخروج عن دينه ، بل الظاهر عنهم أنّهم كانوا مع عبادتهم له متمسّكين بشريعته ، ولهذا قال لهم السامري :
__________________
(١) الشافي في الإمامة وابطال العامّة ، ٢ : ١٢٥ ، ١٣٢.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٤٦.
(٣) سورة النمل ، الآية : ١٤.
(٤) أي يحلّ فيها.