ولا يعدّى به عن موضعه. ولو قيل : إنّه حقيقة في فاعل القبيح وتارك الأولى والأفضل ، ولم يجز إطلاقه أيضا في الأنبياء عليهمالسلام إلّا مع التقييد ؛ لأنّ استعماله قد كثر في القبائح ، فإطلاقه بغير تقييد موهم ، لكنا نقول : ان أردت بوصفهم بأنّهم عصاة أنّهم فعلوا القبائح ، فلا يجوز ذلك ، وإن أردت انّهم تركوا ما لو فعلوه استحقّوا الثواب وكان أولى ، فهم كذلك.
فإن قيل : فأيّ معنى لقوله تعالى : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (١) وأيّ معنى لقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٢) فكيف تقبل توبة من لم يذنب؟ أم كيف يتوب من لم يفعل القبيح؟
قلنا : أمّا التوبة في اللغة : الرجوع ، ويستعمل في واحد منّا وفي القديم تعالى. والثاني : أنّ التوبة عندنا وعلى أصولنا فغير موجبة لاسقاط العقاب ، وإنّما يسقط الله تعالى العقاب عندها تفضّلا ، والذي توجبه التوبة وتؤثّره هو استحقاق الثواب ، فقبولها على هذا الوجه إنّما هو ضمان الثواب عليها. فمعنى قوله تعالى : «تاب عليه» أنّه قبل توبته وضمن له ثوابها ، ولا بدّ لمن ذهب إلى أنّ معصية آدم عليهالسلام صغيرة من هذا الجواب ؛ لأنّه إذا قيل له : كيف تقبل توبته وتغفر له ومعصيته قد وقعت في الأصل مكفّرة لا يستحقّ عليها شيئا من العقاب؟ لم يكن له بدّ من الرجوع إلى ما ذكرناه ، والتوبة قد تحسن أن تقع ممّن لا يعهد من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع إليه ، ويكون وجه حسنها في هذا الموضع إستحقاق الثواب بها أو كونها لفظا ، كما يحسن أن تقع ممّن يقطع على أنّه غير مستحقّ للعقاب ، وأنّ التوبة لا تؤثّر في اسقاط شيء يستحقّه من العقاب ، ولهذا جوّزوا التوبة من الصغائر وإن لم تكن مؤثّرة في إسقاط ذمّ ولا عقاب.
فإن قيل : الظاهر من القرآن بخلاف ما ذكرتموه ؛ لأنّه أخبر أنّ آدم عليهالسلام منهي عن أكل الشجرة بقوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣) وبقوله :
__________________
(١) سورة طه ، الآية : ١٢٢.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٣٧.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٣٥.