(أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)؟ (١) وهذا يوجب بأنّه عليهالسلام عصى بأن فعل منهيا عنه ولم يعص بأن ترك مأمورا به.
قلنا : أما النهي والأمر معا فليسا يختصّان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال ولا اشتراك ، وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهى بلفظ الأمر ، فإنّما يكون النهي نهيا بكراهة المنهّي عنه. فإذا قال تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) ، ولم يكره قربها ، لم يكن في الحقيقة ناهيا ، كما أنّه تعالى لمّا قال : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٢) (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (٣) ، ولم يرد ذلك ، لم يكن أمرا. فإذا كان قد صحّ قوله (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) إرادة لترك التناول ، فيجب أن يكون هذا القول أمرا ، وإنّما سماه منهيا عنه ، ويسمّى أمره له بأنّه نهي من حيث كان فيه معنى النهي ؛ لأنّ [في] النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل ، وتزهيدا في الفعل نفسه. ولمّا كان الأمر ترغيبا في الفعل المأمور به وتزهيدا في تركه ، جاز أن يسمّى نهيا. وقد يتداخل هذان الوصفان في الشاهد فيقول أحدنا : «قد أمرت فلانا بأن لا يلقى الأمير» وإنّما يريد أنّه نهاه عن لقائه ، ويقول : «نهيتك عن هجر زيد» وإنّما معناه أمرتك بمواصلته.
فإن قيل : ألّا جعلتم النهي منقسما إلى منهي قبيح ومنهي غير قبيح ، بل يكون تركه أفضل من فعله ، كما جعلتم الأمر منقسما إلى واجب وغير واجب؟
قلنا : الفرق بين الأمرين ظاهر ؛ لأنّ انقسام المأمور به في الشاهد إلى واجب وغير واجب غير مدفوع ، ولا خاف ، وليس يمكن أحدا أن يدفع أنّ في الأفعال الحسنة التي يستحقّ بها المدح والثواب ما له صفة الوجوب ، وفيها ما لا يكون كذلك ، فإذا كان الواجب مشاركا للندب في تناول الارادة له واستحقاق الثواب والمدح به ، فليس يفارقه إلّا بكراهة الترك ؛ لأنّ الواجب تركه مكروه والنفل ليس كذلك. فلو جعلنا الكراهة تتعلّق بالقبيح وغير القبيح من الحكيم
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٢٢.
(٢) سورة فصلت ، الآية : ٤٠.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٢.