تعالى ، وكذلك النهي ، كما جعلنا الأمر منه يتعلّق بالواجب وغير الواجب ، لارتفع الفرق بين الواجب والندب مع ثبوت الفصل بينهما في العقول.
فإن قيل : فما معنى حكايته تعالى عنهما قولهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) (١) وقوله تعالى : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢)؟
قلنا : معناه أنّا نقصنا أنفسنا وبخسناها ما كنّا نستحقّه من الثواب بفعل ما أريد منا من الطاعة ، وحرمناها الفائدة الجليلة من التعظيم من ذلك الثواب ، وإن لم يكن مستحّقا قبل أن يفعل الطاعة الّتي يستحقّ بها ، فهو في حكم المستحقّ ، فيجوز أن يوصف بذلك من فوّت نفسه بأنّه ظالم لها ، كما يوصف من فوّت نفسه المنافع المستحقّة. وهذا معنى قوله تعالى : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ).
فإن قيل : فإذا لم تقع من آدم عليهالسلام على قولكم معصية ، فلم أخرج من الجنّة على سبيل العقوبة وسلب لباسه على هذا الوجه لو لا أن الاخراج من الجنّة وسلب اللباس على سبيل الجزاء على الذنب ، كما قال الله تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) (٣) وقال تعالى في موضع آخر : (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) (٤)؟
قلنا : نفس الاخراج من الجنة لا يكون عقابا ؛ لأنّ سلب اللّذات والمنافع ليس بعقوبة ، وإنّما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والاهانة ، وكذلك نزع اللباس وإبداء السوأة ، فلو كانت هذه الأمور ممّا يجوز أن تكون عقابا ويجوز أن يكون غيره لصرفناها عن باب العقاب إلى غيره ، بدلالة أنّ العقاب لا يجوز أن يستحقّه الأنبياء عليهمالسلام. فإذا فعلنا ذلك فيما يجوز أن يكون واقعا على سبيل العقوبة ، فهو أولى فيما لا يجوز أن يكون كذلك.
فإن قيل : فما وجه ذلك إن لم تكن عقوبة؟
قلنا : لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أن المصلحة تقتضي تبقية آدم عليهالسلام
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٢٣.
(٢) سورة البقرة : ٣٥ ، سورة الأعراف ، الآية : ١٩.
(٣) سورة الأعراف ، الآية : ٢٠.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٣٦.