والمعنى : إنّ أهل الكتاب بعد التفاتهم إلى كتبهم المنزلة عليهم من التوراة والإنجيل ليعلمون أن كون الكعبة قبلة هو الحق من ربهم أو ليعلمون أنها قبلة إبراهيم (عليهالسلام) المتفق بينهم أن ملته هي الحنيفية التي أمروا باتباعها.
وما ذكره جمع من المفسرين من إرجاع الضمير في قوله جلّ شأنه : (أَنَّهُ الْحَقُ) إلى دين الإسلام صحيح أيضا ، لأنه من باب بيان الكبرى ، وما ذكرناه بيان لإحدى الصغريات.
قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ). الغفلة : تستعمل في عدم التحفظ على الشيء والاهتمام به ، ومثل هذا المعنى محال بالنسبة إلى العالم الحكيم المدبر على نحو الحكمة التامة البالغة ، لأن الحضور الفعلي الإحاطي من جميع الجهات مع الغفلة عنه خلف عقلا.
ويتصف بها الإنسان وتكون من أرذل صفاته التي تجعله في عرض الحيوان ، قال تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٩]. ويتصف الزمان والمكان بها ، كما ورد في الأسواق ، وسيأتي عند قوله تعالى : (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) [سورة القصص ، الآية : ١٥] بعض أزمنة الغفلة.
والمعنى : أنه لا يعقل الغفلة عن كليات الأمور وجزئياتها بالنسبة إليه تعالى. وفي الآية المباركة تهديد بالنسبة إلى مرتكب السيئات ، ويصح أن يراد بعدم الغفلة عدم الغفلة العملية ، أي : يجزي على الحسنات بالجنّة كما يجزي على السيئات بالنّار.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ). الآية هي الحجة والبرهان الواضح وهي إنما تنفع لرفع الجهل البسيط ، وأما الجهل المركب فهو داء لا يقبل العلاج لا سيما إذا كان قرين العناد واللجاج خصوصا إذا كان المورد مما يصح نسبته الى الدين السماوي. وحينئذ يتضح الوجه في هذه الآية الشريفة ، ومضمونها دليل عقلي وجداني لا يختص بعصر التنزيل ، ولا بطائفة خاصة.