والمعنى : ولئن جئتهم بكل برهان وحجة على صدقك ما تبعوا قبلتك ، ولم يعترفوا بملتك ، فقد تمكن منهم الجهل وغلب عليهم العناد واللجاج بارتكابهم السيئات ، فلم يوفقهم الله تعالى للإيمان بك.
قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ). بعد ما أيأس سبحانه النبي (صلىاللهعليهوآله) من اتباعهم لقبلته أراد سبحانه وتعالى إياسهم من اتباعه قبلتهم بعد ما اتضح الحق ، وأن قبلته (صلىاللهعليهوآله) أولى بالاتباع خصوصا بعد ما أمر بالتوجه إلى شطر المسجد الحرام ، ولا وجه لمتابعة قبلة أوجب الله تعالى الانحراف عنها وأكد فيه التأكيد البليغ.
ويمكن أن يريد منه بيان بطلان أصل المتابعة ، لأنه بعد وضوح بطلان شيء كيف يعقل على العاقل الحكيم متابعته ، فيكون مفاد هذه الآية كالآية السابقة.
قوله تعالى : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ). أي أن أهل الكتاب على خلاف وعناد في أمور دينهم فلا اليهود تتبع قبلة النصارى ولا هؤلاء تتبع قبلة اليهود ، فإن كلّا منهما يرى قبلة صاحبه باطلة ، فكيف يتوجه إلى الباطل ويستقبله ، وقد أعمى الجهل بصيرته فلا يتبع ما هو صالح واقعا.
قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ). قضية عقلية برهانها معها ، أي : إنه إذا ثبت أنك على حق ـ كما هو الواقع ـ وكل من خالف الحق بعد ثبوته هو ظالم ، فانك لو خالفته لكنت من الظالمين. وقد ثبت في محله. أن صدق القضية الشرطية بصدق النسبة بين الطرفين لا بتحقق موضوعها في الخارج.
والخطاب موجه إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) تعظيما وتشريفا لأنه المشرع المسؤول عن الأمة في يوم المعاد ، وقطعا لأطماعهم بأنه لا يتبع أهواءهم ، وإلّا فحقيقة مثل هذه الخطابات العقلية تكون لجميع العقلاء في القرآن الكريم بلا اختصاص لها بأحد ، ولا بزمان دون آخر ، وإلى ما ذكرنا يشير ما ورد في الحديث : «أنّ القرآن نزل على طريقة إياك اعني واسمعي يا جارة». وفي الآية توعيد وتوبيخ لهم وتبكيت لهم بأنهم أصحاب أهواء