و «كان» في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) منسلخة عن الزمان ، وإنما جيء بها لبيان أنه (صلىاللهعليهوآله) صاحب القبلتين ، وليترتب عليه قوله تعالى : (إِلَّا لِنَعْلَمَ) فلا تنافي بين ظواهر الآيات المباركة ، كما زعمه بعض المفسرين.
وقوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ) مؤكدة بأنحاء التأكيدات المحاورية من لام القسم ، وإن الشرطية الظاهرة في فرض التحقق فضلا عن أصله ، ثم لام التأكيد ، ثم تعريف الظالمين والجملة الاسمية وغير ذلك.
ثم إنّ المعروف بين الأدباء وتبعهم المفسرون : أن أدوات الشرط مثل «إن» و «لو» ونحوهما تدل على عليّة المقدم للتالي ، أي : انتفاء التالي عند انتفاء المقدم ، ورتبوا على ذلك ثبوت المفهوم للجمل الشرطية على ما فصل ذلك في علم الأصول. وهذا من موارد اشتباه العنوان الكلي ببعض المصاديق الخارجية ، فإن أدوات الشرط مطلقا ، وما يرادفها من سائر اللغات لا يستفاد منها إلّا جعل متلوها مورد الفرض والتقدير ، والترتب بأي قسم من أقسامه. وأما خصوص ترتب المعلول على العلة فلا بد في استفادته من التماس دليل آخر عقلا ، أو نقلا فضلا عن العلية التامة المنحصرة.
وفي المقام يدل العقل والنقل على أن متابعة الهوى بعد ظهور الحق ، وثبوته ظلم فيكون أصل الترتب ظاهرا من سياق الجملة ، والعلية التامة المنحصرة ثبتت بالدليل العقلي والنقلي ، بل من ظاهر التأكيد في الآية المباركة بلام القسم ، كما عرفت.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا