تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)).
هذه الآيات مرتبطة مع سابقتها فيما يتعلق بتشريع القبلة وأن أهل الكتاب أيضا يعرفون الحق ، وأن الكعبة هي القبلة ، وقد أقام سبحانه وتعالى الحجة عليهم بأتم حجة وأبلغ بيان ، ثم بيّن تعالى أن كلا منهم متعبد بشريعته وأن القبلة من الأمور المعتادة عندهم وأمرهم بالاستباق إلى الخيرات والتسليم لأمره ثم أمر نبيه وأمته باستقبال الكعبة أينما كانوا والخشية منه ، وأخيرا ذكر سبحانه وتعالى أن تشريع القبلة إنما كان لأجل إقامة الحجة على النّاس ، وبطلان حجة الخلاف والتمييز بين الحق والباطل ، وبذلك أتم نعمته عليهم.
التفسير
قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ). هذه الآية بيان لقوله تعالى : (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ). أي أنّ علمهم بالحق ومعرفتهم به إنّما هو لأجل معرفتهم بالرسول (صلىاللهعليهوآله) وصفاته ؛ كما نطقت بها كتبهم بحيث لا تنطبق على غيره فلا يبقى مجال للشك فيه.
فكما أن القران العظيم يشتمل على ذكر الأنبياء السابقين (عليهمالسلام) خصوصا أولي عزمهم ، وعلى ذكر الكتب السماوية ولا سيما التوراة والإنجيل ـ كذلك شأن سائر الكتب السماوية فإنها تشتمل على ذكر نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ونعوته وصفاته ، بل الاسم الذي سمي به ، لأن المبدأ والمعاد في الجميع واحد ، وأنهم جميعا يشتركون في الدعوة إلى معبود واحد ، ومتفقون في الغرض من دعوتهم ، فلا بد أن يبشر السابق باللاحق ، وأن يذكر اللاحق حالات السابق ، وأن ينوّه باسمه ويذكّر أمته بما جرى عليه وعلى أمته ، وهذه سنّة الله تعالى في الإنسان ، بل ذلك من مقتضيات المجتمع