أقول : جمع أبو عبد الله (عليهالسلام) في هذه الكلمة الوجيزة أصول ما جمعه الفلاسفة في الفلسفة الإلهية العملية ، وما جمعه العرفاء بعد نهاية جهدهم في شرح مقامات الإنسانية ، وهو قوله (عليهالسلام) : «إن الله تعالى اتخذ إبراهيم (عليهالسلام) عبدا قبل أن يتخذه نبيا».
والمراد به ـ مضافا إلى العبودية التكوينية التي هي من لوازم جميع المخلوقات ـ العبودية العملية أيضا لا خصوص الأولى فقط ، فإنها لا تختص بإبراهيم (عليهالسلام) بل تشمل الكل. والعبودية العملية مفتاح السعادة البشرية ومبدأ جميع الكمالات المعنوية التي تفاض عليه ، بل هي الحياة الأبدية من حيث البقاء فيصير العبد بذلك ظلّ الحي القيوم بقاء وإن لم يكن كذلك حدوثا ، لفرض المسبوقية بالعدم ، فالنبوة والرسالة. والخلّة ، والإمامة متشعبة عن هذا المقام الشريف.
وما ذكره علماء الكلام في الإمامة من الشروط السبعة ـ أي : العصمة الإلهية ، والجعل من الله تعالى ، وعدم حجب أعمال العباد عنه ، وعلمه بجميع ما يحتاج النّاس إليه ، واستحالة وجود أفضل منه ، وكونه مؤيدا من الله تعالى ، وعدم خلو الأرض عنه ـ متشعبة من ذلك. وتشهّد المسلمين في صلواتهم كل يوم وليلة : «وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» إشارة إلى هذا المقام الأجل الأكمل الذي هو رمز السعادة الأبدية بين الأمة وبين الرسول (صلىاللهعليهوآله) وبينهما وبين الله تعالى ، لأن العبودية المطلقة لله تعالى بالنسبة إلى القائد والمقتدى (بالفتح) من أبرز المفاخر للتابع والمقتدي (بالكسر) وكذلك من تلبس بالإمامة من ذرية خليل الرحمن المتفانين بجميع شؤونهم في العبودية المحضة للحي القيوم فإنهم المرآة الأكمل لرؤية الخلق خالقهم على نحو ما بينت الكتب السماوية في صفات جماله وجلاله وأفعاله وتفصيل البحث بأكثر من ذلك يطلب من الكتب الموضوعة له.
وأما قوله (عليهالسلام) : «لا يكون السفيه إمام التقي» السفه : عدم كمال العقل في الدين أو الدنيا أو هما معا. ومن جعل الإمام (عليهالسلام) هنا السفيه في مقابل التقي يستفاد أن كل من ترك التقوى ولم يتصف بها يكون