منها الا أنّ الأول باعتبار أصل الحدوث والثاني باعتبار الثبوت والشهيد من أسماء الله تعالى وهو بمعنى الحضور الفعلي بالنسبة إلى جميع ما سواه ، ولعل اطلاق الشهيد على من قتل في سبيل الله تعالى إنما هو لأجل حضوره لديه عزوجل متلبسا بما عاناه من الصعاب والاضطهاد ، أو حضور الملائكة لديه مبشرين له بأعلى المقامات وارفع الدرجات التي أعدت له ، ويصح الحمل على المعنى العام أي حضوره لديه للانتصار وحضور الملائكة لديه لبشارته بالجزاء ، والمراد من حضوره تعالى هو توجهه الخاص به.
فالشهادة هي السفر من الخلق إلى الحق ولا تختص بخصوص من بذل دمه في سبيل الله بل تشمل كل من تحمل الأذية مطلقا في سبيله عزوجل ، وفي جملة من الأحاديث : «المؤمن شهيد ولو مات في فراشه» إلّا أن للشهيد الذي بذل دمه له أحكاما خاصة ويأتي تتمة الكلام في الآيات المناسبة.
والآية تدل على تجرد النفس وهو حق لا ريب فيه كما ثبت بالأدلة الكثيرة وهو المستفاد من الكتب السماوية والقرآن المبين والنصوص المتواترة من السنّة الشريفة ويأتي في البحث الفلسفي تفصيل الكلام فيه.
قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ). مادة (بلا) تأتي بمعنى الامتحان والاختبار وتقدم ما يتعلق بها في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٤].
والشيء من الألفاظ العامة الشاملة للقليل والكثير ، والجواهر والأعراض.
والخوف توقع المكروه ـ مظنونا كان او معلوما ـ بعكس الرجاء فإنه توقع المحبوب كذلك.
والمعنى : لنمتحنكم بشيء من الخوف من العدو أو بشيء من الجوع. ولم يذكر سبحانه وتعالى متعلق الامتحان ولا مورد الخوف والجوع تعميما للاختبار والامتحان في كل زمان ومكان وبالنسبة الى كل شخص. ولهما مراتب كثيرة يحتمل أن يكون الامتحان بالنسبة الى كل مرتبة بما تقتضيه المصلحة الإلهية.