إلى ما بعد موته إلى خلوده في دار الخلد إما الجنّة أو النّار.
ومن هذه الغريزة يتحقق كثير من أفعال الإنسان كسائر الغرائز ـ خيرا كانت أو شرا ـ إلّا إذا وجهها صاحبها إلى طريق الخير فقط ومن آثارها ما نشاهده في عالمنا من وقوع التبري بين الأتّباع والمتبوعين عند ما يتوقع أحدهما وقوع الضرر من الطرف الآخر أو عدم تمكن الانتفاع منه ، وأما في الآخرة فان المتبوع حينما يرى العذاب الشديد ولا يمكن التخلص منه إلّا بالعمل الصالح فلا تنفعه الأسباب ولا يقدر الأتباع مساعدته لا محالة يتبرأ منهم والأمر في الأتباع أظهر ، فتنكشف حقيقة التبعية ، وأنّها كانت كالسراب لا واقع لها فتبطل التابعية والمتبوعية ، وينحصر الأمر في الله تعالى فيجازيهم بسوء أعمالهم.
ومضمون هذه الآية من القضايا العقلية التي يغني تصورها والتأمل فيها عن إقامة الدليل عليها.
كما أنه لا اختصاص لهذه الآية بطائفة خاصة وبقسم خاص من التبعية بل يشمل جميع الطوائف والأفراد حتّى الفقهاء الذين إذا ادعوا لأنفسهم ما لا يستحقون لجلب قلوب الناس إليهم والإتباع لهم ، كما يشمل المبلغين والمرشدين الذين لم يظهروا حقيقة الإسلام قولا وعملا بل بينوا خلاف ما أسسته الشريعة المطهرة ، وكذا المعلمين إذا كان التعليم خلاف ما أذن فيه سيد المرسلين ، وفي الحديث : «من أصغى إلى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان».
ثم إن في التعبير بقوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) مع ادعائهم الحب للأنداد من اللطف ما لا يخفى ، ومن البلاغة وروعة الأسلوب ما يبهر منه الفطن اللبيب.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا). بيان لقضية فطرية وهي مجازاة الشيء بمثله ، وحيث انه لا موضوع لتبري الأتباع من المتبوعين في دار الآخرة لما يشاهدونه من العذاب علقوا