في «لهم» عائد إلى المشركين والمعاندين للحق.
والمراد من الآباء : الأعم من السادة والكبراء والآباء والمربين فانه يصح اطلاق الأب عليهم كما في الحديث : «الآباء ثلاثة : أب ولدك ، وأب علّمك ، وأب زوّجك» ، ويشهد للتعميم قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [سورة الأحزاب ، الآية : ٦٧].
ولعل في ذكر هذه الآية بعد النهي عن اتباع خطوات الشيطان إشارة إلى أن اتباع ما عليه الآباء يمكن أن يكون من اتباع خطوات الشيطان ، وان تقليد الآباء ، والإعراض عما أنزله الله من السوء ، والفحشاء والقول على الله بغير علم بلا فرق بين ان يكون الشيطان من شياطين الإنس أو الجن قال تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [سورة الأنعام ، الآية : ١١٢] وقد رد عزوجل عليهم وأبطل معتقداتهم.
قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ). تقبيح لهم وتفضيح لمعتقدهم ومتابعتهم لآبائهم أي : أنهم يتبعون آبائهم ولو كان آباؤهم لا يعرفون شيئا من الدين ولا يهتدون إلى الحق فإذا كانوا كذلك فهم أيضا مثلهم لأنهم على غير هدى وكتاب منير. وفيه إرشاد إلى ان متابعة فرد لآخر لا بد وان تكون مع المعرفة بأنّ المتبوع حائز على الكمال والهداية ومع فقدهما لا يقدم العاقل على المتابعة ولا تكون إلّا الضلالة والدليل على ذلك نفس وجدان التابعين لو تخلوا عن العناد واللجاج ورجعوا إلى التفكر والتعقل ، وما ورد في الكتاب والسنة من ذم التقليد إرشاد إلى ذلك.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ١٠٤] ولعل الاختلاف في التعبير في الآيتين بحسب مراتب الجحود والعناد ففي الآية الأولى ادعوا متابعة الآباء ولم يدعوا شيئا وراء ذلك وفي هذه الآية ادعوا وراء ذلك الاكتفاء بها ، فعبر في الأولى بعدم التعقل وفي الثانية بالجهل من هذه الجهة.