قوله تعالى : (وَلا يُزَكِّيهِمْ). أي : لا يقبل منهم أعمالهم مع ما هم عليه من الكفر والفعل الشنيع ولا يطهرهم من دنس الخطايا أو يزكيهم بالثناء عليهم كما يفعل بالنسبة إلى أهل الجنّة.
قوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). أي : عذاب شديد الألم.
وحكم هذه الآية عام يشمل كل من عرف الحق وكتمه قولا أو عملا فلا اختصاص له بأهل الكتاب ، بل يصدق على المسلمين الذي عرفوا الحق فكتموه مع القدرة على الإظهار ، أو لم يعملوا به خارجا.
ثم إنّه لا يخفى أنّ المعارف الإلهية والأحكام المقدسة لها وجود واقعي حقيقي يتم بالجعل الإلهي وإتمام الحجة ووجود ظاهري إثباتي لا يتم إلّا بالإظهار وإعلام النّاس. والأول في مرحلة الحدوث والثاني في البقاء ، والمهم هو الأخير إذ لا أثر في حدوث ما لا بقاء له في ما يطلب منه البقاء والاستمرار. وجاعل القانون مطلقا ـ إلهيا كان أو وضعيا ـ انما يهتم بإبقائه أكثر من اهتمامه بأصل الإيجاد والحدوث. والكتمان إنما يتحقق بالنسبة إلى الثاني ، وبه تبطل حكمة تشريع الأول ، ولذلك كان وزر الكتمان عظيما يعرف من عظم ما أوعد عليه الله تعالى بتعدد نقمه عليهم من وعيده بالنار وعدم التكلم معهم وعدم التزكية ، والعذاب الأليم.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [سورة آل عمران ، الآية : ٧٧] ولعل وجه التأكيد في الآية الأولى تعدد موجب العقاب فيها من الكتمان والاشتراء بخلاف الآية الثانية.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى). هذا كالنتيجة للآيات السابقة : أي أولئك الذين اشتروا بالكتمان ثمنا قليلا انهم في عملهم هذا اشتروا الضلالة بالهدى.
قوله تعالى : (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ). أي اشتروا العذاب بالمغفرة لمكان