كان التوعيد عليه عظيما ، كما أنه بين سبحانه وتعالى فيها أنّ الاختلاف في الحق هو الشقاق البعيد.
التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ). الكتم والكتمان هو ستر الشيء وإخفاؤه ، والمراد بالكتاب مطلق معارفه الشريفة وأحكامه المقدسة المنزلة على رسله.
والمعنى : إنّ الذين يخفون ما أنزل الله من الكتاب على رسله. والكتمان كما يحصل بالإخفاء والحذف يحصل أيضا بالتأويل والتحريف والوضع في غير مواضعه وقد تقدم في آية ١٥٩ من هذه السورة فراجع.
قوله تعالى : (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً). المراد من الاشتراء هنا مطلق التبديل ، والثمن القليل هو الدنيا وحطامها فانها قليلة بالنسبة إلى الحق وكتمانهم لما أنزل الله تعالى وما فات عنهم من السعادة الدائمة فانها لا تعادل ما يأخذونه عوضا يكون التمتع به قليلا لانقطاع مدته.
قوله تعالى : (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ). أي : أنّ أولئك الذين يكتمون ما أنزل الله ـ المشترين به ـ لا يفعلون ذلك إلّا بما يؤول بهم إلى النّار بسبب أكلهم للثمن الخسيس ، فهو تمثيل لمآلهم ويمكن أن يكون بيانا لحالهم بأنّ يكون المأكول نارا فعلا في عالم الدنيا في بطن الآكل وان ظن انه طعام ، لأنّ تبدل حقائق عالم بصورة حقائق عالم آخر كثير في صنع الله تعالى ، وإن عميت الأبصار من الرؤية والبصائر عن الإدراك لكن الحق ظاهر بالبرهان. والآية تدل على تجسم الأعمال.
وإنما قيد سبحانه الأكل بالبطن مع انه لا يكون إلّا فيه إما للإشارة إلى الاستمرار والاستقرار وعدم الزوال ، أو للإشارة إلى الامتلاء أي : امتلاء بطونهم نارا.
قوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ). كناية عن عدم اعتناء الله تعالى بهم بالإعراض عنهم والغضب عليهم في يوم يكون الاحتياج إليه تعالى شديدا.