الواجب ينافي القدرة ، لأن المضطر لا يقدر على الترك في الأول كما لا يقدر على الفعل في الثاني.
والمناط في القدرة : القدرة العرفية التي يعتمد عليها النّاس في أمور معاشهم وجميع أغراضهم نعم قد يتبدل الحكم في صورة الاضطرار إلى حكم آخر ولكنه يحتاج إلى دليل بالخصوص.
والاضطرار الحاصل للإنسان المبيح لتناول المحرّم على قسمين :
الأول : ما لا ينتهي إلى اختياره ، الثاني : ما ينتهي إلى اختياره ، ولا ريب في انه لا تكليف ولا عقاب في الأول. وأما الثاني فلا ريب في أنّ العقل يحكم باختيار أقل القبيحين ، لأن الأمر يدور بين إهلاك النفس وأكل الميتة مثلا ، ولا إشكال في كون إهلاك النفس القبح من أكل الميتة ، وأما الخطاب فهو باق على ملاكه ، لبقاء العقاب لفرض الانتهاء إلى الإختيار ، فمن ذهب إلى سفك دم معصوم أو هتك عرض محترم أو غصب مال كذلك فاضطر حينئذ إلى أكل الحرام يعاقب على الأكل ، فيكون حكم القرآن الكريم موافقا للعقل السليم.
ومن ذلك يعلم أنّ الاضطرار المبيح لأكل المحرمات ـ كالميتة والدم ونحوهما ـ محدود في الشريعة المقدسة بحد خوف التلف على النفس في ترك الأكل ، ثم الأكل بقدر سد الرمق من دون تعد عنه. وفي المقام فروع كثيرة أخرى تعرضنا لها في كتب الفقه.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦))
هذه الآيات مرتبطة بالآيات السابقة التي وردت في ذم قوم تركوا سبيل الحق واتبعوا خطوات الشيطان لأن تبديل الحق بالباطل من أعظم خطواته ولذا