سبيل المثال لكل جهة وعمل يعتقد كونه برأ ، كما يحتمل أن يكون كناية عن طرفي الإفراط والتفريط.
ويجوز رفع (البر) على أن يكون اسم ليس ، ويكون خبره جملة (ان تولوا). كما يجوز نصبه على ان يكون خبر ليس وجملة (ان تولوا) الاسم وهذان الوجهان جائزان في كل مورد يقع بعد (ليس) معرفتان فيجعل أيهما الاسم والخبر إلّا إذا اقترن أحدهما بالباء فيتمحض في الرفع ، قال تعالى : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٩]. ولا يفرق المعنى على الوجهين.
كما يصح ان يكون بمعناه المصدري مبالغة ، او يكون بمعنى الفاعل أي البار ، أو بالتقدير أي : ليس البر بر من آمن بالله فحذف المضاف.
والكل صحيح ولا ترجيح في البين بعد صحة الاستعمالات وبناء المحاورات عليها.
والمعنى : ليس البر بتولي الوجه قبل المشرق والمغرب وكل ما يعتقد كونه برا مما يوجب الدخول في الجنّة بزعمهم ، فنفى عزوجل البر عن كل ما يعتقده الإنسان برا إلّا ما تنطبق عليه الآية الشريفة.
وظاهر الخطاب وإن كان موجها إلى أهل الكتاب بدعوى ظهور لفظ (المشرق والمغرب) اللذين هما قبلة اليهود والنصارى ، فيكون توبيخا لهم في افتعالاتهم وردعا لذلك ولكنه من باب المثال لكل من كان خارجا عن الصراط المستقيم.
قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ). قرئ (لكن) بالتخفيف والتشديد وهذا هو القسم الأول الذي يتعلق بالاعتقاد والإيمان بالمبدأ والمعاد ، أي : إنّ البر يجب الاهتمام به هو الإيمان بالله الواحد الأحد حق الإيمان ، وابتدأ به لأنّه أساس كل بر وأصل كل خير ولا يكون كذلك إلّا إذا كان متمكنا في النفس بحيث يظهر أثره عليها بالتسليم والإذعان والخشوع والاطمينان فلا يهدم ايمانه بالشرك واتباع الهوى ومخالفة أحكام الله ، وبهذا