ومن مبادئ هذا المسلك هو إعداد الإنسان علميا بأنّ كل ما يصدر منه من الأفعال ، وما يقع من الأمور كلها صادرة عن قانون القضاء والقدر الإلهي ؛ قال تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة التغابن ، الآية : ١١].
وإنّه لا بد من التخلق بأخلاق الله تعالى والتذكر بأسمائه الحسنى حتّى يمكن تهذيب النفس بالغايات الأخروية المتكفلة لسعادة الدارين ، فإنّ الكمال الحقيقي والسعادة الواقعية هي الحياة السعيدة في الآخرة وتلازمها سعادة هذه الدنيا أيضا.
وهذا المسلك هو الغالب في الديانات الإلهية ، وقد دعا اليه الأنبياء والمرسلون ، وهو متين يغاير المسلك الأول في الغاية والسبب.
ثالثها : التغير في الأخلاق والتبدل في الفضائل ، والقول بالتطور والتكامل في الأخلاق فلا يمكن أن يكون للحسن والقبح أصول مسلمة مطلقا ، والمناط كله هو ابتغاء المنفعة ودفع المضرة سواء أكانتا فرديتين او اجتماعيتين ، وهذا مذهب قديم في الأخلاق دعا اليه بعض الماديين كما أشرنا اليه سابقا ، وهو مذهب فاسد ، وسيأتي في الموضع المناسب ذكر حججهم ودحضها.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩))
ما ورد في الآيتين من التشريعات الكلية النافعة في النظام الفردي والاجتماعي للإنسان ، وقد لوحظ فيهما بقاء النوع وتهذيبهم بالأخلاق الفاضلة ونبذ الانتقام والعدوان ، وقد اعتبر في القصاص المساواة بين القاتل ومن يراد الاقتصاص له. وفيهما إشارة إلى بعض العادات السيئة التي كانت متبعة قبل هذا التشريع ، ولذلك كله لا تخلو من الارتباط بالآيات السابقة.