ما يَلْبِسُونَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٩] ، وسيأتي في الخبر الآتي ما يدل على ما قلناه.
وقد ثبت في الفلسفة أن تنزل كل شيء من عالمه إلى ما دونه لو تصور بصورة ما كانت بصورة ما نزل إليه لا بصورته التي يكون عليها في الواقع.
إن قيل : إنّ جنّة الآخرة لم تخلق بعد فما معنى هذه الأخبار من أنها نزلت من الجنّة. يقال : المراد بعدم خلق جنة الآخرة اى خلق نتائج أعمال العباد وأما خلق ذات المكان وسائر خصوصياته فهو مسلّم ، كما تدل عليه ظواهر الآيات المباركة والسنة المقدسة. وبذلك يمكن أن يجمع بين الآراء فمن يذهب إلى أنها غير مخلوقة أراد جنة نتائج الأعمال ، وما يستفاد من الأدلة أنها مخلوقة أي بحسب الذات ، وسيأتي الكلام فيه مفصلا في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
وفي تفسير القمي عن هشام عن الصادق (عليهالسلام) في حديث نزول هاجر وإسماعيل على أرض مكة قال (عليهالسلام) : «فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمر الله تعالى إبراهيم (عليهالسلام) أن يبني البيت فقال : يا رب في أي بقعة؟ قال : في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم تزل القبة التي أنزلها الله تعالى على آدم قائمة حتّى كان أيام الطوفان أيام نوح (عليهالسلام) فلما غرقت الدنيا إلّا موضع البيت فسميت البيت العتيق ، لأنه أعتق من الغرق ، فلما أمر الله عزوجل إبراهيم (عليهالسلام) أن يبني البيت ولم يدر في أي مكان يبنيه فبعث الله جبرئيل فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنّة وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما لمسته أيدي الكفار اسود ، فبنى إبراهيم البيت ، ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة أذرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم (عليهالسلام) ووضعه في موضعه الذي هو فيه وجعل له بابين بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب ، والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم ألقى عليه الشجر والإذخر وعلّقت هاجر على بابه كساء كان معها وكانوا يكنّون تحته. فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم (عليهالسلام) وإسماعيل