فيهما معا ، يقال : سفه حلمه ورأيه ونفسه. والمراد بهم هم الذين خفّت حلومهم وأعرضوا عن الفكر والنظر ، فاعترضوا على الدين من دون علم بحقائق الأمور ، وهم المنكرون على تغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين.
قوله تعالى : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها). التولي : الصرف ، والعدول عن الشيء. وهو من الصفات ذات الإضافة التي تختلف باختلاف المتعلق ، فإن قيل : تولى عنه يكون بمعنى الإدبار. وإن قيل : تولى إليه يكون بمعنى الإقبال.
والمعنى : انه سيقول السفهاء الذين ضعفت عقولهم واعترضوا على تحويل القبلة ماذا جرى للمسلمين ان يصرفوا عن قبلتهم التي كانوا عليها ـ وهي بيت المقدس ـ التي كانت قبلة الأنبياء باعتقادهم؟!.
والمقام ـ أي تقديم الإخبار على الاعتراض ـ من العتاب قبل الجناية ، وهو من المحسنات البديعية ، وله فوائد كثيرة : منها توطين النفس ، وتقليل التأثير ، لأن المفاجأة بالمكروه أشد إيلاما من غيرها. ومنها : الإعداد للجواب عن المعترض ومقابلته بالاحتجاج وتلقين الحجة ، فيكون أقطع. ومنها : بيان أن المعترض متصف بالسفاهة ذاتا من دون أن يكون للاعتراض دخل في ثبوتها. ومنها : أن الوقوع بعد الإخبار معجزة له (صلىاللهعليهوآله).
قوله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ). هذا هو الدليل لتحويل القبلة وتبديلها ، فإن من بيده أزمة أمور التكوين والتشريع وله الحكمة البالغة في جميع الأشياء ، وإنّ الجهات بجميعها له تعالى ، فلا تحويه جهة خاصة. وإنّ استقبال إحدى الجهات من الأمور التعبدية يجريه بحسب الحكمة والمصلحة ، فليس اعتراضهم على تحويل القبلة إلّا من السفه.
ولا بد أن يكون سبب اعتراضهم هذا أحد أمور كلها باطلة ، فإما أن يكون قد زعموا أنّ الله تعالى تحويه جهة خاصة ، وهي بيت المقدس بحسب زعمهم ، أو أن بعض الجهات تستحق الاستقبال لما فيها من الآثار دون