تتصفون ـ علما وعملا ـ بما علمكم الرسول (صلىاللهعليهوآله). وقد شرح سبحانه هذه الآية شرحا وافيا في آية اخرى قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [سورة الحج ، الآية : ٧٨]. فجعل المناط في الشهادة على الناس وشهادة الرسول عليهم المجاهدة في الله حق جهاده ، فيصير بعد رد شارحها إلى مشروحها ، ومفصلها إلى مجملها هو أن الشهادة على الناس إنما تكون بالمجاهدة في الله والاعتصام به جلت عظمته وكل من كان كذلك فقد اجتباه تعالى ، ولا يكون ذلك إلّا في عدة مخصوصة ، وهي مورد دعوة إبراهيم خليل الرحمن ووصاية الأنبياء من بعده ، وأهم مقاصد خاتم الأنبياء في تشريع شريعته.
ومن ذلك يعلم أنّ مقام مثل هذا الشاهد الذي يحتمل شهادة اعمال الخلائق في الدنيا وأداءها كاملة في العقبى من أجلّ المقامات وارفعها ، إذ لا بد أن يتصف بصفات عالية ويرتقي إلى درجات الكمال حتّى يصل الى هذا المقام ، ويتسم بوسام العلم ، كما قال تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [سورة الكهف ، الآية : ٦٥] ولا يليق بذلك الا الأخص من الخواص ، كما عرفت.
والخطاب لجميع الأمة تشريفي بمقتضى السير الاستكمالي في البشر حيث يقتضي أن تكون أمة محمد (صلىاللهعليهوآله) أشرف الأمم وأرفعها ، ونفس هذا السير التكاملي يقتضي أن يكون في هذه الأمة صنف خاص ، وطائفة مخصوصة هي أشرفها وأعظمها ؛ فيكون المراد من ذكر الكل هو البعض وهو شايع في المحاورات ، وقد تقدم في قوله تعالى: (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٢] أنّ التفضيل باعتبار خصوص أنبيائهم لا جميعهم.