الشرائط غير ثابت ، لما مرّ من أنّ الصّلاة وضعت لما ينشأ منه الأثر ، ولا شكّ في دخل قصد القربة كركن في تأثيرها في الآثار المطلوبة منها ، وقد عرفت أنّ مسألة نفي المزاحم أو النهي ترجع في النهاية إلى قصد القربة ، فيكون القسم الثاني والثالث أيضاً داخلين في محلّ النزاع ، مضافاً إلى عدم حجّية الإجماع في إثبات حقيقة لغويّة أو حقيقة شرعيّة التي لا بدّ فيها من الرجوع إلى التبادر وصحّة السلب ونحوهما ، وليست من المسائل التعبّديّة.
البيان الثاني : ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المقام ، وهو نفس ما ذهب إليه المحقّق العراقي رحمهالله إلاّ أنّ دليل أحدهما غير دليل الآخر ، ودليل المحقّق النائيني رحمهالله على خروج القسم الثاني والثالث : أنّ صدق المزاحمة أو ورود النهي فرع وجود المسمّى وإلاّ لا يصدق مزاحمة شيء لشيء ولا عنوان المنهي عنه ، وعلى هذا تكون التسمية قبل الابتلاء بالمزاحم وقبل ورود النهي ، هذا هو الوجه في خروج القسم الثاني عن محلّ النزاع ، وأمّا القسم الثالث فالوجه في خروجه عنده تأخّره عن المسمّى برتبتين ، لأنّ قصد القربة أو قصد الأمر متأخّر عن الأمر ، والأمر متأخّر عن موضوعه وهو الصّلاة مثلاً. ( انتهى ملخّص كلامه (١) ).
أقول : يرد عليه أنّا لا نسلّم كون المزاحمة أو ورود النهي متفرّعاً على التسمية ( المسمّى بما أنّه مسمّى ) بل يمكن أن يتعلّق النهي لبعض المسمّى إرشاداً إلى دخل شيء في تمام المسمّى كما في قوله عليهالسلام « دع الصّلاة أيّام اقرائك » فالأمر متأخّر عن ذات المسمّى لا عن التسمية ، وهكذا بالنسبة إلى قصد الأمر ، فيمكن أن يقول الشارع : « كبّر ، اركع ، اسجد ، مع قصد الأمر المتعلّق بها » فيكون قصد الأمر متأخّراً عن متعلّق الأمر ، وهو وجود المسمّى لا عن تسميته بالصّلاة مثلاً.
ويجاب عن الثاني بأنّ المختار جواز أخذ ما لا يتأتّى إلاّمن قبل الأمر في المأمور به ، لأنّ الأمر فرع تصوّر موضوعه ، وتصوّر المتأخّر وجوداً ممكن جدّاً ، فقد وقع الخلط بين تأخّر الوجود برتبتين وتأخّر التصوّر ، والذي يعتبر في الأمر هو الثاني لا الأوّل ، وحينئذٍ يمكن أخذه في التسمية أيضاً على نحو ما مرّ في القسم السّابق ، فتدبّر جيّداً.
البيان الثالث : ما أفاده بعض الأعاظم في تهذيب الاصول فإنّه قال في صدر كلامه بدخول
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٥.