واحدة وجودان خارجيان ، فكذلك لا يكون للفظ واحد معنيان.
والجواب عنه : إنّ المراد من كون الألفاظ وجودات تنزيلية للمعاني تشبيه للألفاظ بالوجودات الخارجيّة ، ويكون المقصود هيهنا أنّ وجود اللفظ علامة لوجود المعنى ، وإلاّ لا إشكال في أنّ اللفظ ودلالته على معناه أمر اعتباري عقلائي ولا يقاس بالوجودات الحقيقيّة الخارجيّة ، فإنّ هذا أيضاً من الموارد التي وقع فيها الخلط بين المسائل اللغويّة والمسائل الفلسفية ، وعليه لا مانع من استعمال لفظ وإرادة معنيين.
وإن شئت قلت : سلّمنا كون اللفظ وجوداً تنزيليّاً للمعنى ، ولكن أي مانع من تنزيل شيء واحد منزلة الشيئين ، فإنّ التنزيل أمر اعتباري ولا مانع من اجتماع امور اعتباريّة عند استعمال لفظ واحد.
الثالث : إنّه باللفظ يوجد المعنى ، واللفظ يكون علّة للمعنى ولا يصدر من العلّة الواحدة إلاّ معلول واحد.
وفيه : أنّ هذا أيضاً من أوضح مصاديق الخلط بين المسائل الفلسفية والحقائق الاعتباريّة ، فإنّ قاعدة الواحد ( على القول بها ) مختصّة بالواحد البسيط الحقيقي التكويني كما مرّ غير مرّة ، وأمّا وضع الألفاظ فأمر اعتباري محض ولا يجري فيه قانون العلّية فضلاً عن قاعدة الواحد. هذا أوّلاً.
وثانياً : سلّمنا ـ لكن ليس اللفظ في استعماله في أكثر من معنى تمام العلّة لايجاد المعنى بل هو جزء للعلّة التامّة ، والجزء الآخر هو القرينة ولا إشكال في أن يصير لفظ واحد بضمّ قرينة علّة لايجاد معنى ، وبضمّ قرينة اخرى علّة لايجاد معنى آخر فتأمّل (١).
هذا كلّه في أدلّة القائلين بالاستحالة العقليّة.
أمّا القائلون بعدم الجواز لغة وعرفاً فهم طائفتان : طائفة قالوا بعدم الجواز حقيقة والجواز مجازاً ، وطائفة اخرى قالوا بعدم الجواز حقيقة ومجازاً ، والإنصاف أنّ طريق هاتين الطائفتين أسلم اشكالاً من طريق القائلين بالاستحالة العقليّة وإن كانت مقالتهم أيضاً لا تخلو من الضعف والإشكال كما سيأتي.
__________________
(١) ووجه التأمّل أنّ هذا غير معقول ، لأنّه كيف يمكن ويتصوّر أن يصير شيء واحد في آنٍ واحد جزءً لعلّتين تامّتين؟