والمضارع في الإسناد إلى نفس الزمان لكونه أيضاً من قبيل التجريد لا المجاز.
وبالجملة لا يمكن الفرار من ارتكاب المجاز على كلّ حال ( إمّا على نحو المجاز المصطلح أو على نحو التجريد ) في الألفاظ المستعملة في ذات الباري تعالى ولا تصلح الأجوبة المذكورة لحلّ المشكلة.
ثالثاً : إنّ ما ذكره من عدم تصوّر جامع بين الحال والمستقبل ففيه : أنّه يمكن أن يقال : إنّ الجامع بينهما هو « كلّ زمان كان بين الحدّين » أي حدّ الآن إلى اللأبد فيصير المضارع مشتركاً معنويّاً.
وإن أبيت عن ذلك وقلت : إنّ عدم استعمال المضارع في هذا الجامع ولو لمرّة واحدة يكشف عن عدم وضعه له فنختار كونه مشتركاً لفظيّاً ولا نأبى عن ذلك.
مضافاً إلى أنّ استعمال المضارع في ما بين الحدّين المذكورين ـ أي القدر الجامع ـ ليس بقليل كما في مبحث الأوامر ، يقال : « تعيد أو تقضي صلاتك » والمطلوب أعمّ من الحال والاستقبال.
وبالجملة ، إمّا أن نلتزم بكون المضارع مشتركاً معنويّاً ، وهذا فرع جواز استعماله في القدر الجامع كما هو الحقّ ، أو نقول بكونه مشتركاً لفظيّاً ولا بأس به أيضاً.
رابعاً : أنّه قال بأنّ استعمال الماضي في غير الماضي الحقيقي واستعمال المضارع في غير المضارع الحقيقي كاشف عن عدم كون الزمان جزءً لهما.
وفيه : إنّ الموضوع له في كلّ واحد منهما هو الأعمّ من الحقيقي والنسبي ( أي بالمقايسة إلى فعل آخر كما في الأمثلة السابقة ) لا خصوص الحقيقي.
خامساً : إنّ تبديل الزمان الماضي والزمان المضارع بعنوان التحقّق والترقّب ليس سوى تلاعباً بالألفاظ والكلمات ولا تحلّ به المشكلة ، لأنّ عنوان التحقّق يستلزم الزمان الماضي وعنوان الترقّب يستلزم الزمان المضارع ، مضافاً إلى أنّ المضارع قد يكون للحال فلا يكون فيه ترقّب بل الموجود هو التحقّق.
سادساً : إنّ قياس الماضي والمضارع بالأمر والنهي قياس مع الفارق ، لأنّ الأوّلين من باب الخبر ، والأخيرين من باب الإنشائيات ، والمحتاج إلى التحقّق في زمان من الأزمنة هو الخبر ( لأنّه إخبار عن التحقّق الخارجي الواقع في أحد الأزمنة ) لا الإنشاء.