ولكن المهمّ هنا إنّما هو كشف مبدأ هذه المعاني ومرجعها ، والبحث في أنّها هل ترجع إلى أصل واحد ، أو أصلين ، أو أكثر؟ وبعبارة اخرى : هل تكون مادّة الأمر من قبيل المشترك اللّفظي أو من المشترك المعنوي؟
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّ عدّ بعض هذه المعاني من معاني مادّة الأمر يكون من قبيل اشتباه المصداق بالمفهوم وأنّه لا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء ، ثمّ عدل عنه في ذيل كلامه ، وقال : لا يبعد أن يكون ظاهراً في المعنى الأوّل فحسب أي الطلب ، واختار صاحب الفصول أنّه حقيقة في المعنيين الأوّلين ، أي الطلب والشأن ، وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى أنّه « لا إشكال في كون الطلب المنشأ بإحدى الصيغ الموضوعة معنى له وإنّ استعماله فيه بلا عناية ، وأمّا بقية المعاني فالظاهر أنّ كلّها راجعة إلى معنى واحد وهو الواقعة التي لها أهميّة في الجملة ، وهذا المعنى قد ينطبق على الحادثة وقد ينطبق على الغرض وقد يكون غير ذلك » ثمّ عدل عنه في ذيل كلامه وقال : « بل يمكن أن يقال : إنّ الأمر بمعنى الطلب أيضاً من مصاديق هذا المعنى الواحد فإنّه أيضاً من الامور التي لها أهميّة » (١).
أقول : في مثل هذا الموارد لا بدّ من الرجوع إلى أمرين : منابع اللّغة ، والتبادر.
أمّا اللّغة : فقد ذكر في منابعها لمادّة الأمر أصلان :
الأصل الأوّل : أنّه ضدّ النهي.
الأصل الثاني : الشيء كما اشير إليه في بعض الكلمات ، وأمّا الطلب فهو أعمّ من الأمر لشموله الطلب النفساني أيضاً كقولك « اطلب ضالّتي » أو « اطلب العلم » مع أنّه لا يمكن وضع الأمر موضعه فلا يقال : « آمر ضالّتي » أو « آمر العلم » ، اللهمّ إلاّ أن يقال أنّ معناه مساوق لمعنى « الطلب من الغير » ولكنّه أيضاً ممنوع لأنّه قد يقال « طلب منه شيئاً » ولا يمكن تبديله بالأمر فيقال « أمره بكذا ».
وكيف كان فالمعنى الأوّل لمادّة الأمر هو ، الأمر ضدّ النهي كما قال به في لسان العرب ، والمعنى الثاني : الشيء ، فإنّه قد يقال : « هذا أمر لا يعبأ به » أو « هذا أمر لا يعتنى بشأنه » أي هذا شيء لا يعبأ به أو لا يعتنى بشأنه ، فهو مشترك لفظي بين المعنيين من دون أن يكون قدر
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٨٦.