الباري تعالى مع موسى عليهالسلام مثلاً عبارة عن أمواج صوتيّة خلقها الله تعالى فظهرت على طور سيناء عن جانب الشجرة وسمعها موسى باذنيه ، أو عبارة عن النقوش المكتوبة في كتابه الكريم بعد أن أوحى إليه صلىاللهعليهوآله جبرئيل. فكلّ من تلك الأصوات وهذه النقوش مخلوق من مخلوقاته وفعل من أفعاله الحادثة.
وأمّا الأشاعرة فوقعوا في حيص وبيص في تفسير قولهم وبيان مرادهم من كلام الله ، لأنّه لو كان المراد منه النقوش فلا ريب في حدوثها ، ولذلك ذهبوا إلى أنّ للكلام معنيين كلام لفظي وكلام نفسي ، والكلام اللّفظي عبارة عمّا يجري على اللسان أو القلم وهو حادث ، والكلام النفسي عبارة عن المعنى الموجود في فؤاد المتكلّم ( إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما ـ جعل اللسان على الفؤاد دليلاً ) وبالنسبة إلى الباري تعالى عبارة عمّا هو موجود في ذاته فيكون قديماً بتبع قدم ذاته ، وحينئذ أورد عليهم من جانب الإماميّة والمعتزلة هذا السؤال : هل يكون الكلام النفسي بهذا المعنى غير علمه تعالى بالمفاهيم الكلّية وغير قدرته على إيجاد الأصوات ( كما أنّ المراد بالسميع والبصير عبارة عن علمه بالمسموعات والمبصرات ) فإن كان هو عينهما فلم تأتوا بشيء جديد ، وإن كان غيرهما فما هو؟ فوقعوا في حرج ولم يأتوا بجواب واضح بل ادّعوا أنّ لله تعالى صفة اخرى غير القدرة والعلم تسمّى بالكلام النفسي.
هذا كلّه في الأخبار والجمل الخبريّة.
وأمّا في الإنشاءات الواردة في القرآن الكريم كقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) فقال المعتزلة أيضاً أنّ هذه النقوش أو الأصوات حادثة وحقيقتها هي إرادته تعالى والإرادة من الصفات المعروفة ، فلا يكون في البين أيضاً صفة جديدة قائمة بالذات غير الصفات المعروفة.
وأمّا الأشاعرة فادّعوا أنّ هنا صفة اخرى غير الإرادة تسمّى بالطلب ، وهو من الصفات القديمة للباري تعالى قائمة بذاته.
فاجيب عنهم بأنّ الطلب هو نفس الإرادة ومتّحد معها ، ومن هنا وقع النزاع بينهم في اتّحاد الطلب والإرادة.
فظهر أنّ النزاع في ما نحن فيه نزاع ميتافيزيقي ، له جذور في المباحث الكلاميّة والمشاجرات الاعتقاديّة بين الأشاعرة والمعتزلة ، فلا يمكن أن يقال : « إنّ النزاع لفظي وإنّ من