الكيف إلى موضوعه ( كما ذهب إليه جماعة من محقّقي المتأخّرين ).
أمّا الكلام في الموضع الأوّل : فحاصله أنّ المدّعي للوحدة وجداناً إن أراد أنّ المفهوم من أحدهما هو عين المفهوم من الآخر بأن يكون لفظا الطلب والإرادة مترادفين فالإنصاف أنّ الوجدان على خلاف ما ادّعوه ، فإنّ الإرادة باتّفاق الجميع عبارة عن الكيف النفساني القائم بالنفس ، وأمّا الطلب فهو عبارة عن التصدّي لتحصيل الشيء في الخارج فلا يقال : طالب الضالّة ، إلاّلمن تصدّى لتحصيلها في الخارج دون من يشتاق إلى تحصيلها فقط وإن لم يتصدّ لتحصيلها في الخارج ، وإطلاقه على الفعل النفساني بناءً على ثبوت مرتبة اخرى غير الإرادة فإنّما هو من باب أخذ الغايات وترك المبادىء كما في إطلاق الأكل على مجرّد البلع دون مضغ ، وإن أراد أنّهما مفهومان متغايران غاية الأمر أنّهما يصدقان على أمر واحد باعتبارين فهو وإن كان وجيهاً بالنسبة إلى الدعوى الاولى إلاّ أنّه أيضاً فاسد في حدّ ذاته ، فإنّ الإرادة كما عرفت من مقولة الكيف والطلب من مقولة الفعل ، ويستحيل صدق المقولتين على أمر واحد باعتبارين لتباينهما.
وأمّا الموضع الثاني : فالحقّ فيه أيضاً أنّ هناك مرتبة اخرى بعد الإرادة تسمّى بالطلب وهو نفس الاختيار وتأثير النفس في حركة العضلات وفاقاً لجماعة من محقّقي المتأخّرين ، ومنهم المحقّق صاحب الحاشية رحمهالله ، والبرهان عليه أنّ الصفات القائمة بالنفس من الإرادة والتصوّر والتصديق كلّها غير اختياريّة فإن كانت حركة العضلات مترتّبة عليها من غير تأثير النفس فيها وبلا اختيارها فيلزم أن لا تكون العضلات منقادة للنفس في حركاتها وهو باطل وجداناً ، وللزم أن تصدق شبهة أمام المشكّكين في عدم جواز العقاب بأنّ الفعل معلول للإرادة ، والإرادة غير اختياريّة وأن لا يمكن الجواب عنها ولو تظاهر الثقلان كما ادّعاه ، وأمّا الجواب عنها بأنّ استحقاق العقاب مترتّب على الفعل الاختياري أي الفعل الصادر عن الإرادة وإن كانت الإرادة غير اختياريّة فهو لا يسمن ولا يغني من جوع بداهة أنّ المعلول لأمر غير اختياري غير اختياري.
والحاصل : أنّ علّية الإرادة للفعل هادم لأساس الاختيار ومؤسّس لمذهب الجبر بخلاف ما إذا أنكرنا علّية الصفات النفسانيّة من الإرادة وغيرها للفعل ، وقلنا : بأنّ النفس مؤثّرة بنفسها في حركات العضلات من غير محرّك خارجي ، وتأثيرها المسمّى بالطلب إنّما هو من