ويكون المراد بالمغايرة هو اثنينية الطلب الإنشائي والإرادة الحقيقيّة فيرجع النزاع لفظيّاً ( انتهى ملخّص كلامه ).
وقد ظهر ممّا ذكرنا ما يرد عليه :
أوّلاً : من أنّ النزاع ليس لفظيّاً لغويّاً بل هو نزاع متأصل موجود في علم الكلام من قديم الأيّام ، كما مرّ بيانه.
وثانياً : ما ادّعاه من انصراف الطلب إلى الطلب الإنشائي عند إطلاقه دعوى بلا شاهد ودليل ، كما أنّ دعوى كثرة استعماله في الإنشائي ليست بثابتة ، والشاهد على ذلك موارد استعماله في الكتاب الكريم حيث إنّه استعمل فيه في أربعة موارد واريد منه في جميعها الطلب الحقيقي ، كما أنّ التعبيرات الرائجة بيننا كطالب العلم وطلبة وطالب المال وطالب الضالّة يراد من جميعها الطلب الحقيقي ، نعم الطلب من الغير ظاهر في الإنشائي كما لا يخفى.
ثمّ إنّ هنا كلاماً للمحقّق العراقي رحمهالله في توجيه مذهب القائلين بالتعدّد ، وحاصله : أنّ هنا معنى آخر للطلب غير العلم والإرادة والحبّ والبغض ، وهو البناء والقصد المعبّر عنه بعقد القلب في باب الاعتقادات حيث إنّه من جملة أفعال النفس ، ولذا قد يؤمر به كالبناء في باب الاستصحاب وفي الشكوك المعتبرة في الصّلاة ، وقد ينهى عنه كما في التشريع المحرّم ، ويكون كالإرادة في كونه ذا إضافة وإن خالفها في أنّها من مقولة الكيف وهذا من مقولة الفعل للنفس ، فيمكن توجيه كلمات القائلين بالتعدّد بحمل الطلب في كلماتهم على مثل هذا البناء والقصد ، والإرادة على تلك الكيفية النفسانيّة (١).
ولكن يرد عليه أيضاً أنّه إن كان المراد من البناء النفساني هو الاعتقاد الجازم بشيء فهذا ليس من الطلب في شيء ، وإن كان المراد ما هو المحرّك للعضلات نحو العمل فليس إلاّ الإرادة ، وإن كان المراد البناء الذي يوجد مثله في باب التشريع وشبهه كما يظهر من كلماته فهذا وإن كان من أفعال النفس وكان مبايناً للإرادة ولكنّه ليس من الطلب في شيء أيضاً ، وتسميته طلباً لا يغيّر الواقع الذي هو عليه.
هذا تمام الكلام في أدلّة القائلين بالتعدّد.
__________________
(١) نهاية الأفكار : ج ١ ، ص ١٦٦ ـ ١٦٧ ، طبع جماعة المدرّسين.