لأنّ النزاع في إرادة الله تعالى وطلبه لا إرادة الإنسان وطلبه ، وفي الباري تعالى لا تتصوّر هذه المراحل ، بل طلبه عين إرادته ، وإرادته عين علمه على ما هو المعروف.
الرابعة : مع غضّ النظر عمّا ذكر ، فلا ريب في أنّ الكلام في الطلب التسبيبي لا المباشري ، فإنّ النزاع إنّما هو في الأوامر ، وهي ما تتعلّق بفعل العباد ، فتكون عبارة عن طلب الفعل بواسطة العبد ، ولو سلّمنا لزوم الجبر من عدم الالتزام بالمراحل الأربعة المزبورة فهو إنّما في الطلب النفساني المباشري لا التسبيبي والإنشاء الخارجي ، لأنّ انتفاء المرحلة الرابعة في طلب الآمر لا يلازم الجبر في أفعال العبد المأمور.
الخامسة : أنّ التصوّر والتصديق والشوق كثيراً ما تكون اختياريّة فلا يمكن أن يقال أنّها دائماً غير اختياريّة.
وأمّا ما ورد في كلامه ممّا يتعلّق بمسألة الجبر والاختيار من الإشكال والجواب فسنتكلّم عنها إن شاء الله عن قريب عاجل ، كما سنتكلّم أنّ الإرادة عين الاختيار فهي فعل إرادي بذاتها لا بإرادة اخرى ، وعلى كلّ حال فهذا مرتبط بحلّ مشكلة الجبر لا مسألة اتّحاد الطلب والإرادة.
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا ما في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية حيث قال : الحقّ ( كما عليه أهله وفاقاً للمعتزلة وخلافاً للأشاعرة ) هو اتّحاد الطلب والإرادة بمعنى أنّ لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد ، وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر ، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائيّة فهما متّحدان مفهماً وإنشاءً وخارجاً ، وفي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والأمر به حقيقة كفاية فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان ، ولو أبيت إلاّعن كونه موضوعاً للطلب مطلقاً سواء كان حقيقيّاً أو إنشائيّاً فلا أقلّ من كونه منصرفاً إلى الإنشائي منه عند إطلاقه لكثرة الاستعمال في الطلب الإنشائي ، كما أنّ الأمر في لفظ الإرادة على عكس ذلك ، فإنّ المنصرف عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقيقيّة واختلافهما في المعنى المنصرف إليه اللفظ ألجأ بعض أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الأشاعرة من المغايرة بين الطلب والإرادة.
ثمّ قال في ذيل كلامه : أنّه يمكن ممّا حقّقناه أن يقع الصلح بين الطرفين ولم يكن نزاع في البين بأن يكون المراد بحديث الاتّحاد ما عرفت من العينية مفهوماً ووجوداً ، حقيقيّاً وإنشائيّاً ،