هو الله تعالى فقط وأمّا العبد فهو يوجد الفعل عند إرادته.
وكلامهم هذا لا يختصّ بالأفعال الاختياريّة للإنسان بل يأتي في جميع العلل والمعلولات ، فكلّ علّة تؤثّر في معلولها بإرادة الله تعالى ، فالنار مثلاً لا تحرق بل إرادته محرقة مقارنة لإلقاء شيء في النار.
وبعبارة اخرى : عادة الله جرت على إيجاد كلّ معلول عند وجود علّته ، وبعبارة ثالثة : صدور الفعل من الله يقترن دائماً بإرادة الإنسان ، فالإحراق هو فعل الله مباشرةً ولكنّه يفترن بنحو الصدفة الدائمية بالنار.
والمادّيون يقولون : أنّ فعل الإنسان معلول كسائر المعلولات في عالم الطبيعة يتحقّق في الخارج جبراً وقهراً من دون أن يكون اختياريّاً ، والاختيار مجرّد توهّم وخيال يرجع في الواقع إلى عدم تشخيص العلل الخفيّة المؤثّرة في وجود الفعل كالمحيط والوراثة والغريزة.
وهذه مسألة لها جذور تاريخية قديمة بل هي من أقدم المسائل التاريخية ، تمتد إلى حيث بداية الإنسان ، فإنّ الإنسان من بدو وجوده كان يرى نفسه متردّداً بين الأمرين ، فمن جانب كان يرى عدّة من العوامل الخارجيّة تؤثّر في أفعاله وإرادته ، ومن جانب اخرى يرى فرقاً بينه وبين الحجر الذي يسقط من الفوق على الأرض ، فقال قوم بالاختيار ، وقال قوم بالجبر.
استدلّ الطائفة الاولى من الجبريين على مذهبهم بوجوه :
الوجه الأوّل : أنّه لا شكّ في أنّ الله تعالى مريد ، وإرادته نافذة في كلّ الأشياء ، ولا حدّ لارادته ، ولا يوجد شيء في عالم الوجود من دون إرادته ، ومن جملة الأشياء جميع أفعال العباد ، فهي أيضاً تحت نفوذ إرادته ، وإلاّ يلزم تخلّف إرادته عن مراده أو خروج أفعال العباد عن سلطانه ، فإذا تعلّقت إرادته بعصيان العبد أو اطاعته لا يمكن للعبد التخلّف عنه فإنّه إذا أراد الله شيئاً فإنّما يقول له كن فيكون ، ولا يقال أنّ هذه إرادة تشريعيّة له ، بل إرادته التكوينيّة نافذة في كلّ شيء ومحيطة على كلّ شيء ولا يوجد شيء في هذا العالم إلاّبهذه الإرادة.
هذا ملخّص كلامهم في الدليل الأوّل الذي يمكن تمسيته بإسم توحيد الإرادة وشمولها.
والجواب عنه : أنّا ننكر نفوذ إرادته تعالى في جميع الأشياء ، بل نقول أنّ من الأشياء التي