ونحوهما ، وقد عرفت أنّ هذا النحو من العوارض يحتاج إلى جعل مستقلّ يتعلّق به.
ثانيهما : أنّ يكون الوصف من لوازم وجوده كصفة الاختيار للإنسان ، فإنّه من لوازم وجوده ولو في بعض مراتبه ، وقد عرفت أنّ هذا النحو من الأوصاف لا يحتاج في تحقّقه إلى جعل مستقلّ غير جعل معروضه ، فالانسان ولو في بعض مراتب وجوده مقهور بالاتّصاف بصفة الاختيار ، ويكفي في تحقّق صفة الاختيار للإنسان تعلّق الإرادة الأزليّة بوجود نفس الإنسان.
ثمّ قال : لا ريب في أنّ كلّ فعل صادر من الإنسان بإرادته ، له مبادىء كعلم بفائدته وكشوق إليه وقدرة عليه واختياره في أن يفعله وأن لا يفعله وإرادته المحرّكة نحوه ، وعليه يكون للفعل الصادر من الإنسان نسبتان :
إحداهما : إليه باعتبار تعلّق اختياره به الذي هو من لوازم وجود الإنسان المجعولة بجعله لا بجعل مستقلّ.
والاخرى : إلى الله تعالى باعتبار إيجاد العلم بفائدة ذلك الفعل في نفس فاعله وإيجاد قدرته عليه وشوقه إليه إلى غير ذلك من المبادىء التي ليست من لوازم وجود الإنسان ، وحينئذٍ لا يكون الفعل الصادر من الإنسان بإرادته مفوّضاً إليه بقول مطلق ولا مستنداً إليه تعالى كذلك ليكون العبد مقهوراً عليه ، ومعه يصحّ أن يقال : لا جبر في البين لكون أحد مبادىء الفعل هو اختيار الإنسان المنتهى إلى ذاته ، ولا تفويض بملاحظة كون مبادئه الاخرى مستندة إليه تعالى ولا مانع من أن يكون ما ذكرنا هو المقصود بقوله عليهالسلام : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين » (١).
ويمكن تلخيص مجموع كلامه هذا في ثلاث مقدّمات :
الاولى : أنّ الاختيار من لوازم وجود الإنسان وذاته ولا يحتاج إلى جعل مستقلّ عن جعل ذاته.
الثانيّة : أنّ الاختيار غير الإرادة فإنّه صفة كامنة في النفس وموجود فيها بالفعل وعند تحقّق الفعل يصير بالفعل.
__________________
(١) بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥.