الفعل والترك وأنّها إن شاءت فعلت وإن شاءت تركت ، أي ينافي حالة اختيارها ، لأنّ كونها علّة تامّة للفعل أو الترك يستلزم دوران الأمر بين الوجوب والامتناع بمقتضى قاعدة « الشيء ما لم يجب لم يوجد » ، وإنكاره جريان هذه القاعدة في الأفعال الاختياريّة ( وهي المقدّمة الثالثة ) يساوق إنكار قانون العلّية والتسليم بالصدفة كما لا يخفى.
وعلى الرابعة والخامسة : أنّ كفاية المرجّح النوعي إنّما هي في رفع العبثية ، وأمّا إذا كان المرجّح مؤثّراً في تكوّن العلّة التامّة وتحقّقها فلا يكفي بل لا بدّ من المرجّح الشخصي ، لأنّ المرجّح النوعي قد تكون نسبته إلى الفعل والترك على السواء ، نعم إنّ كلامه صحيح بناءً على مبناه من عدم جريان قاعدة « الشيء ما لم يجب لم يوجد » في الأفعال الاختياريّة.
وأمّا مثال الهارب والعطشان فإنّا ننكر عدم وجود مرجّح شخصي فيهما بل ندّعي وجود مرجّح خاصّ فيهما قطعاً كقرب أحد الإنائين أو سبق النظر إلى أحدهما من الآخر ، وإلاّ لو لم يلتفت إلى مرجّح خاصّ لتوقّف في المشي أو الشرب ، ولكن هذا مجرّد فرض ، فتلخّص أنّ حلّ مشكلة الإرادة من هذا الطريق غير ممكن وإن كان بعض ما ذكره من المقدّمات صحيح ، وعمدة ما يرد عليه هو ما ذكره في إستثناء الأفعال الاختياريّة من قاعدة : الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فإنّه مساوق لانكار قانون العلّية كما لا يخفى.
الوجه الثالث : ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله في المقام وإليك نصّ كلامه : « إنّ عوارض الشيء على أقسام ثلاثة :
أحدها : ما يعرض على الشيء وليس بلازم لوجوده ولا لماهيته كالبياض للجسم مثلاً.
ثانيها : ما يعرض الشيء ويكون لازماً لماهيته ( كزوجيّة الأربعة ).
ثالثها : ما يعرض الشيء ويكون لازماً لوجوده كالحرارة للنار ، أمّا القسم الأوّل فلا ريب في أنّ جعل المعروض ( بمعنى إيجاده ) لا يستلزم جعل عارضه ، بل يحتاج العارض إلى جعل مستقلّ ، وأمّا القسمان الأخيران فما هو قابل لتعلّق الجعل به هو المعروض وهو المجعول بالذات ، وأمّا لازم كلّ من القسمين المذكورين فيحقّق قهراً بجعل نفس ملزومه ومعروضه بلا حاجة إلى جعل مستقلّ ، فإرادة المعروض تكفي في تحقّقه عن تعلّق إرادة أزليّة اخرى به.
ثمّ قال : إذا عرفت ذلك : فاعلم أنّ أوصاف الإنسان على قسمين :
أحدهما : إنّه يكون من عوارض وجوده وليس بلازم لوجوده أو ماهيته كالعلم والضحك