يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ... )(١) وقوله تعالى للحواريين بعد طلبهم نزول المائدة من السماء : ( إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ ). (٢)
الوجه الثاني : ما مرّ من المحقّق النائيني رحمهالله في البحث عن اتّحاد الطلب والإرادة ( واستحسنه بعض أعاظم تلامذته في هامش تقريراته وزاده توضيحاً ومثالاً وقال : ما أفاد شيخنا الاستاذ هو محض الحقّ الذي لا ريب فيه ) وقد وعدنا أن نجيب عن ما يرتبط من كلامه بمبحث الجبر والاختيار في هذا المقام.
فنقول : كان كلامه ذاك مركّباً من خمس مقدّمات :
الاولى : إنّ الإرادة عبارة عن الشوق المؤكّد ، ولكن هناك أمر آخر متوسّط بين الإرادة وحركة العضلات يسمّى بالطلب ، وهو عبارة عن نفس الاختيار وتأثير النفس في الحركة.
الثانيّة : إنّ النفس مؤثّرة بنفسها في حركات العضلات من غير سبب خارجي وواسطة في البين.
الثالثة : إنّ قاعدة « الشيء ما لم يجب لم يوجد » مختصّة بالأفعال غير الاختياريّة.
الرابعة : إنّ الاحتياج إلى المرجّح في وجود الفعل من ناحية فاعله ( وهو النفس ) إنّما هو من جهة خروج الفعل عن العبثية وإلاّ فيمكن للإنسان إيجاد ما هو منافر لطبعه فضلاً عن إيجاد ما لا يشتاقّه لعدم فائدة فيه.
الخامسة : إنّ المرجّح المخرج للفعل عن العبثية هي الفائدة الموجودة في نوعه ، دون شخصه بداهة أنّ الهارب والجائع يختار أحد الطريقين وأحد القرصين مع عدم وجود مرجّح في واحد بالخصوص ، ويعلم من ذلك عدم وجود أمر إلزامي إجباري يوجب صدور الفعل حتّى يهدم أساس الاختيار ، وأمّا الاختيار فهو فعل النفس وهي بذاتها تؤثّر في وجوده ، والمرجّحات التي تلاحظها النفس إنّما هي لخروج الفعل عن كونه عبثاً لا أنّها موجبة للاختيار.
أقول : يرد على الاولى : مناقشة لفظيّة وهي أنّ الإرادة عند المشهور ليست عبارة عن مجرّد الشوق المؤكّد فحسب بل إنّما هي الشوق المؤكّد المحرّك للعضلات.
وعلى الثانيّة : أنّ كون النفس علّة تامّة للفعل أو الترك ينافي تسويتها بالنسبة إلى كلّ من
__________________
(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٠.
(٢) سورة المائدة : الآية ١١٥.