وقد نقل عنه رحمهالله أنّه عدل عن هذه المقالة بعد ذلك.
وكيف كان ، يرد عليه :
أوّلاً : أنّ كلامه هذا يوجب إراديّة الفعل في مقام التسمية فحسب لا الواقع ، وهو لا يوافق مذهب الاختيار والأمر بين الأمرين حقيقة كما هو ظاهر.
ثانياً : إذا كانت الشقاوة ذاتيّة وتكون هي المنشأ الأصلي للعصيان فكيف يؤاخذ الله العاصي بما هو ذاتي له؟ فهل هو إلاّظلم فاحش ( تعالى الله عنه علوّاً كبيراً )؟
وأمّا ما استشهد به من الرّوايتين فالحقّ أنّ الثاني منهما ( وهو قوله صلىاللهعليهوآله الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ) على خلاف مقصوده أدلّ ، لأنّه يقول : أنّ جميع الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ، فهم على تفاوتهم واختلاف درجاتهم ( كتفاوت درجات معادن الذهب والفضّة ) حسن السريرة بحسب ذواتهم وسعداء بحسب فطرتهم الأوّليّة فلا شقاوة ذاتيّة لهم.
الأوّل : منهما وهو قوله صلىاللهعليهوآله : « السعيد سعيد في بطن امّه والشقي شقي في بطن امّه » فقد فسّر بتفسيرين :
أحدهما : أنّ الله تبارك وتعالى يعلم أنّ المولود الفلاني يصير سعيداً أو شقيّاً. ( كما في الخبر ).
وثانيهما : حمله على المقتضيات الذاتيّة ، فيكون المراد منه أنّ بعض الناس أقرب إلى السعادة بحسب اقتضائه الذاتي واستعداده الفطري ، وبعض آخر أقرب إلى الشقاوة كذلك من دون أن يكون هذا القرب أو البعد علّة تامّة للطاعة أو العصيان ، بل الجزء الأخير هو إرادة واختيار الإنسان نفسه.
إن قلت : هذا وإن كان يرفع الجبر ولكن أليس هو تبعيض قبيح عند العقل؟
قلنا : أنّه كذلك إذا كانت مجازاتهما بنسبة واحدة ، مع أنّه ليس كذلك ، لأنّ كلّ إنسان يجازى على عمله بملاحظة الشرائط والمساعدات الذاتيّة والعائلية والوراثيّة والاجتماعيّة ، فيكون الميزان في الثواب والعقاب نسبة العمل مع مقدار الإمكانات والعلم والاستعداد ، فمن كانت قدرته ومكنته أكثر ، ينتظر منه سعي أكثر وعمل أوفر ، ومن هذا الباب يقال حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ، وقوله تعالى لنساء النبي صلىاللهعليهوآله : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ