الاختيار الكامنة في النفس ، وإراديّة صفة الاختيار واختياريتها إنّما هي بذاتها فإنّ كلّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات ، وذلك مثل أنّ المعلوم يكون معلوماً بتعلّق العلم به ، والعلم معلوم بذاته لا يتعلّق علم آخر به.
يبقى الكلام في توضيح نكتة أنّ الإرادة كيف تترشّح وتنشأ من صفة الاختيار الكامنة في النفس وأنّ النفس تخلقها وتوجدها بذاتها وبلا وسائط اخرى خارجيّة ، فنذكر في هذا المجال ما أفاده في رسالة الطلب والإرادة ، ونعم ما أفاد ، فإنّه جدير بالدقّة والتأمّل وإليك نصّ كلامه : « اعلم أنّ الأفعال الاختياريّة الصادرة من النفس على نوعين :
النوع الاوّل : ما يصدر منها بتوسّط الآلات الجرمانيّة كالكتابة والصياغة والبناء ففي مثلها تكون النفس فاعلة الحركة أوّلاً وللأثر الحاصل منها ثانياً وبالعرض ، فالبنّاء ، إنّما يحرّك الأحجار والأخشاب من محلّ إلى محلّ ويضعها على نظم خاصّ وتحصل منه هيئة خاصّة بنائيّة وليست الهيئة والنظم من فعل الإنسان إلاّبالعرض ، وما هو فعله هو الحركة القائمة بالعضلات أوّلاً وبتوسّطها بالأجسام ، وفي هذا الفعل تكون بين النفس المجرّدة والفعل وسائط ومبادٍ من التصوّر إلى العزم وتحريك العضلات.
النوع الثاني : ما يصدر منها بلا وسط أو بوسط غير جسماني كبعض التصوّرات التي يكون تحقّقها بفعّاليّة النفس وإيجادها لو لم نقل جميعها كذلك ، مثل كون النفس خلاّقة للتفاصيل ، ومثل اختراع نفس المهندس صورة بديعة هندسيّة ، فإنّ النفس مع كونها فعّالة لها بالعلم والإرادة والاختيار لم تكن تلك المبادىء حاصلة بنحو التفصيل كالمبادىء للأفعال التي بالآلات الجسمانيّة ، ضرورة أنّ خلق الصور في النفس لا يحتاج إلى تصوّرها والتصديق بفائدتها والشوق والعزم وتحريم العضلات ، بل لا يمكن توسيط تلك الوسائط بينها وبين النفس بداهة عدم إمكان كون التصوّر مبدئاً للتصوّر بل نفسه حاصل بخلاّقيّة النفس ، وهي بالنسبة إليه فاعلة بالعناية بل بالتجلّي لأنّها مجرّدة ، والمجرّد واجد لفعليات ما هو معلول له في مرتبة ذاته ، فخلاّقيته لا تحتاج إلى تصوّر زائد بل الواجدية الذاتيّة في مرتبة تجرّدها الذاتي الوجودي تكفي للخلاّقيّة ، كما أنّه لا يحتاج إلى إرادة وعزم وقصد زائد على نفسه.
إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ العزم والإرادة والتصميم والقصد من أفعال النفس ، ولم يكن سبيلها سبيل الشوق والمحبّة من الامور الانفعاليّة ، فالنفس مبدأ الإرادة والتصميم ، ولم تكن