مبدئيتها بالآلات الجرمائيّة بل هي موجدة لها بلا وسط جسماني ، وما كان حاله كذلك في صدوره من النفس لا يكون بل لا يمكن أن يكون بينه وبينها إرادة زائدة متعلّقة ، به بل هي موجدة له بالعلم والاستشعار الذي في مرتبة ذاتها ، لأنّ النفس فاعل إلهي واجد لأثره بنحو أعلى وأشرف » (١) ( انتهى ).
إن قلت : إن كانت النفس علّة تامّة وفاعلة للفعل باختيارها من دون دخالة شيء آخر من الخارج فلماذا صدر الفعل الفلاني منها في اليوم دون الأمس مع أنّ المعلول لا ينفكّ عن علّته التامّة؟
قلنا : المفروض أنّ النفس بما لها من صفة الاختيار تكون علّة تامّة للفعل ، ولا إشكال في أنّ هذه الصفة تقتضي بذاتها تخصيص الفعل بوقت دون وقت ، وهذا نظير ما يقال به في باب صفات الباري من أنّه تعالى مختار واختياره عين ذاته ، ولازمه تخصيص فعله ( وهو خلق حادثة فلانيّة كخلق الشمس والقمر ) بزمن خاصّ لا من الأزل.
والحاصل : أنّه يمكن قياس فعل العبد من هذه الجهة على فعل الله ، فهل العالم قديم؟ لا إشكال في حدوثه ، فهل العلّة التامّة لوجوده هو ذات الباري بما له من الإرادة والاختيار بل الإرادة والاختيار عين ذاته ، فلماذا حصل الخلق وحدث بعد أن لم يكن؟ فهل كانت هناك علّة من الخارج؟ والمفروض أنّه لم يكن هناك شيء فما العلّة في تخصيص حدوثه بوقت دون وقت؟
والجواب : أنّ ذاته تعالى بما له من الاختيار كان سبباً وعلّة ، وهكذا الكلام في أفعال العباد من هذه الجهة وإن كان يتفاوت مع أفعاله تعالى من جهات اخرى.
ثمّ إنّ لبعض المعاصرين ( قدسسرهم الشريف ) هنا كلاماً لا يخلو ذكره عن فائدة ، فإنّه قال في حلّ مشكلة الإرادة وقاعدة « إنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد » إنّ هذه القاعدة لو كانت قاعدة عقليّة لم يكن هناك معنى للالتزام بالتخصيص فيها ، لكن الصحيح أنّها ليست قاعدة عقليّة مبرهنة بل هي قاعدة وجدانيّة ، إذن فلابدّ من الرجوع في هذه القاعدة إلى الفطرة السليمة ، والفطرة السليمة تحكم أنّ هناك صفة في النفس وهي السلطنة ، وينتزع منها مفهوم الاختيار ، ومعناها إنّه حينما يتمّ الشوق المؤكّد في أنفسنا نحو عمل لا نقدم عليه قهراً ولا يدفعنا إليه أحد بل نقدم عليه بالسلطنة ، ونسبتها إلى الوجود والعدم وإن كانت متساوية لكنّها كافية
__________________
(١) رسالة الطلب والإرادة للإمام الخميني قدسسره : ص ١٠٨ ـ ١٠٩.