الثالث أنّها بمعنى ترتّب الثواب على العمل ، وتقابلها الضلالة بمعنى حبط الأعمال ، ومنه قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ )(١).
أقول : إن كان مراده تفسير الضلالة بالمعنى الأخير كما يظهر من بعض كلماته فهو واضح الإشكال ، فإنّ كثيراً من آيات الضلالة لا تلائم هذا المعنى ولا دخل لها بمسألة الثواب والعقاب ، وإن كان المراد إنّ كلاً من هذه المعاني الثلاثة للهداية تقابله الضلالة فهو حقّ لا ريب فيه ، فإنّ كثيراً من آيات الضلالة بمعنى سلب التوفيق وعدم اعداد المقدّمات نحو المطلوب كما ذكره كثير من المحقّقين ، وهذا أيضاً أمر اختياري ، لأنّ التوفيق وكذا سلبه من قبل الله لا يكون بلا دليل بل هو ناشٍ عن بعض أعمال الإنسان الحسنة أو السيّئة أو نيّاته وصفاته الحسنة والخبيثة.
والمختار في الجواب ـ عن مسألة الهداية والضلالة في القرآن ـ هو ما يستفاد من نفس الآيات الكريمة ، تارةً : على نحو الإجمال واخرى : على نحو التفصيل :
فالجواب الإجمالي : ما جاء في ذيل بعض الآيات المزبورة ( وهو قوله تعالى : ( فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فإنّ قوله « وهو العزيز الحكيم » إشارة إجماليّة إلى أنّ مشيّة الله وإرادته ضلالة بعض العباد وهداية بعض آخر تنشأ من حكمته وعزّته ، فإنّ قدرته وعزّته متقاربة مع حكمته ومندرجة فيها ، ومشيّته ناشئة من كلتيهما معاً لا من القدرة فقط ، فإذا علمنا بأنّ إرادته تنشأ من الحكمة فإضلاله أو هدايته مبنية على ما يصدر من العباد أنفسهم من الأعمال السيّئة أو الحسنة ، وعلى أساس ما اكتسبوه من الاستحقاق أو عدم الاستحقاق للهداية والضلالة.
وأمّا الجواب التفصيلي : فهو ما تصرّح به كثير من الآيات من أنّ الهداية أو الضلالة تنشأ ممّا كسبته أيدي العباد وقدّمته أيديهم ، فبالنسبة إلى الهداية نظير قوله تعالى :
١ ـ ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا )(٢).
٢ ـ ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )(٣).
__________________
(١) سورة محمّد : الآية ٨.
(٢) سورة العنكبوت : الآية ٦٩.
(٣) سورة التغابن : الآية ١١.