وبدونها لا معنى لبنائهم على الوجوب.
الاحتمال الرابع : ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله وهو نفس ما ذهب إليه في المقام الأوّل ، أي في مبحث مادّة الأمر من أنّ دلالتها على الوجوب إنّما تنشأ من قضيّة الإطلاق ومقدّمات الحكمة ببيانين :
أحدهما : أنّ الطلب الوجوبي لمّا كان أكمل بالنسبة إلى الطلب الاستحبابي فلا جرم أن كان مقتضى الإطلاق عند الدوران هو الحمل على الطلب الوجوبي إذ الطلب الاستحبابي باعتبار ما فيه من النقص يحتاج إلى نحو تحديد وتقييد.
ثانيهما : أنّ الأمر بعد أن كان فيه اقتضاء لوجود متعلّقه في الخارج ( ولو باعتبار منشئيته للحكم بلزوم الإطاعة والامتثال ) يكون اقتضاؤه تارةً بنحو يوجب مجرّد خروج العمل عن اللا اقتضائيّة بحيث كان حكم العقل بالإيجاد من جهة الرغبة لما يترتّب عليه من الأجر والثواب فحسب ، واخرى يكون اقتضاؤه لتحريك العبد بالإيجاد بنحو أتمّ بحيث يوجب سدّ باب عدمه حتّى من طرف العقوبة على المخالفة علاوة عمّا يترتّب على إيجاده من المثوبة الموعودة ، وفي مثل ذلك. نقول : إنّ قضيّة إطلاق الأمر يقتضي كونه على النحو الثاني لأنّ النحو الأوّل فيه جهة نقص فيحتاج إرادته إلى مؤونة بيان (١). ( انتهى مع تلخيص في عبارته ).
أقول : أمّا بيانه الأوّل ففيه : أنّ غاية ما يقتضيه هو كون الطلب ذا مراتب : خفيفة وهي الاستحباب ، وشديدة وهي الوجوب ، كما أنّ الوجوب أو الاستحباب أيضاً ذا مراتب كثيرة ، ومجرّد ذلك لا يوجب انصراف الطلب إلى أحدها دون الآخر كما أنّ النور ذو مراتب مختلفة ولا يكون إطلاقه منصرفاً إلى بعض أفراده وهو النور الشديد ، بل كلّ واحد يحتاج إلى البيان فإنّ كلّ واحد له حدّ.
وأمّا بيانه الثاني : فإن كان المراد منه الانصراف إلى الفرد الأكمل فهو أيضاً قابل للمناقشة ، لأنّ الانصراف إلى الفرد الأكمل ممّا لا دليل عليه ، فلذا لا ينصرف « العالم » إلى أعلم العلماء ، وإن كان المراد ما ذكرناه في مادّة الأمر فهو حقّ لا ريب فيه.
توضيح ذلك : أنّ صيغة الأمر تدعو إلى إيجاد الفعل في الخارج من دون أن يتطرّق إليه
__________________
(١) نهاية الأفكار : ج ١ ، ص ١٦١ ـ ١٦٣ ، طبع جماعة المدرّسين.