عن جود زيد ) يلزم الكذب إذا لم يكن زيد جواداً لا ما إذا لم يكن كثير الرماد ، بل قد لا يكون له رماد أصلاً.
هذا كلّه في المقام الأوّل.
وأمّا المقام الثاني : وهو دلالتها على الوجوب فالكلام فيه هو الكلام في صيغة الأمر من جهة الظهور عند العقلاء وأهل العرف ، فلا إشكال هنا أيضاً في أصل الدلالة على الوجوب كما أنّ منشأها هنا أيضاً ما يرجع إلى طبيعة الطلب وما تقتضيه ماهية البعث ، وأنّ جواز الترك قيد إضافي وتحتاج إلى البيان وذكر القرينة.
بقي هنا أمران :
الأمر الأوّل : المعروف والمشهور أنّ دلالة الجمل الخبريّة على الوجوب آكد من دلالة صيغة الأمر ، ببيان أنّها في الحقيقة إخبار عن تحقّق الفعل بإدّعاء أنّ وقوع الامتثال من المكلّف مفروغ عنه.
ولكن الإنصاف أنّه من المشهورات التي لا أصل لها ، فإنّ الجملة الخبريّة حيث إنّها في مقام الكناية عن الطلب تكون أبلغ في الدلالة على الإنشاء كما في سائر الكنايات فإنّها أبلغ في بيان المقصود والدلالة على المطلوب من غيرها ، لا أنّها آكد وأنّ الطلب المنشأ بها يكون أقوى وأشدّ ، كما يشهد عليه الوجدان ، فلا فرق بالوجدان بين قوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) وقولك « يغسلون وجوههم » من حيث شدّة الطلب وضعفه والأهمّية وعدمها إلاّ أنّ الثاني أبلغ في الدلالة على وجوب الغسل من باب أنّ الكناية أبلغ من التصريح كما قرّر في محلّه.
الأمر الثاني : ما أشرنا إليه آنفاً من أنّ ملاك الصدق والكذب في باب الكنايات إنّما هو صدق المعنى المكنّى عنه وكذبه ، لا المدلول المطابقي والمعنى الموضوع له اللفظ ، وحينئذ لا بأس بكثرة عدم وقوع المطلوب في الخارج ، وهي لا تلازم الكذب في قول الله وأولياؤه ( تعالى الله وأولياؤه عن ذلك علواً كبيراً ).
إلى هنا تمّ الكلام في الفصل الثاني من مبحث الأوامر.