أنّ الدواعي حيث كانت مختلفة فتارةً يوقع المتكلم النسبة بداعي الإخبار والحكاية ، واخرى يوقعها بداعي الطلب والإنشاء ، أي أنّ لها فردين من النسبة فلابدّ من قيام قرينة لتعيين أحد الفردين.
وربّما يستشهد لكونها ايقاعيّة أنّها توجب السرور أو الكراهة في نفس المخاطب فإنّه يسرّ إذا قيل له « أنت بحر عميق » ويتأذّى وينزعج إذا قيل له « أنت فاسق جاهل » مثلاً.
ولكن قد مرّ أيضاً جوابه تفصيلاً فإنّا قلنا سابقاً أنّ الجملة الخبريّة بمبتدئها وخبرها ونسبتها أي بشراشرها تدلّ على الحكاية والإخبار عن الخارج ، وأنّ النسبة أيضاً أمر تكويني خارجي تحكي عنها النسبة الخبريّة ، وليست من الامور الاعتباريّة حتّى توجد في عالم الاعتبار فراجع.
٣ ـ أنّها كناية عن الطلب والإنشاء ببيان اللازم وإرادة الملزوم فإنّ المولى إذا رأى عبده مطيعاً لأوامره ( إمّا من طريق أنّ العبد قدم إلى المولى للسؤال عن وظيفته وتكليفه أو من أي طريق آخر ) يفترض أوّلاً امتثاله واطاعته في الخارج وأنّه يتصدّى للعمل في الخارج بمجرّد أنّ علم بطلب المولى وإرادته ، ثمّ يخبر عن امتثاله وتصدّيه كناية عن طلبه ، أي يذكر اللازم وهو انبعاث العبد وحركته نحو العمل ويريد منه ملزومه وهو طلب المولى وإرادته لذلك العمل ، وحينئذ لا فرق بين قوله « يغتسل » مثلاً في مقام الإخبار وقوله « يغتسل » في مقام الإنشاء في أنّ كلاً منهما استعمل في الإخبار والحكاية عن الخارج ، إلاّ أن الأوّل يكون بداعي الإخبار حقيقة ، وأمّا الثاني فهو كناية عن الطلب النفساني للعمل.
إن قلت : يلزم من هذا الدور المحال لأنّ لازمه أن يتوقّف الانبعاث على الإخبار ، ويتوقّف صحّة الإخبار على الانبعاث.
قلنا : أنّه كذلك فيما إذا كان الإخبار إخباراً حقيقة بينما هو في المقام كناية عن البعث والطلب ، والمتوقّف على الانبعاث إنّما هو صحّة الإخبار الحقيقي لا ما يكون كناية عن الإنشاء.
إن قلت : إنّ لازمه الكذب كثيراً لكثرة عدم وقوع المطلوب في الخارج من العصاة ، تعالى الله وأولياؤه عن ذلك.
قلنا : الكذب في باب الكنايات متوقّف على عدم وجود المكنّى عنه في الخارج لا على عدم وجود المحكي للجملة الخبريّة التي استخدمت للكناية ، ففي قولك « زيد كثير الرماد » ( للكناية