ثمّ إنّه لو فرض عدم كون المولى في مقام البيان أو لم يكن في البين لفظ بل كان الدليل لبّياً تصل النوبة إلى الأصل العملي ، والاحتمالات فيه ثلاثة :
١ ـ إنّ الأصل هو البراءة ونتيجتها كفاية فعل الغير كما ذهب إليه المحقّق العراقي رحمهالله فإنّه قال : إنّ مقتضى الأصل العملي هو البراءة عن التكليف بالفعل المزبور حين صدوره من الغير ولو قلنا بالاحتياط في مقام الدوران المزبور هو وجود العلم الإجمالي باشتغال ذمّة المكلّف ، وهذا العلم الإجمالي غير موجود في محلّ الكلام لأنّه يعلم تفصيلاً بأنّه مخاطب بهذا الفعل لخروج فعل غيره عن قدرته واختياره ، فلا يكون عدلاً لفعله في مقام التكليف ليحتمل كونه مكلّفاً تخييراً بأحد الأمرين ، وبما أنّ المكلّف يعلم أنّه مخاطب بالفعل المزبور في حال ترك غيره له يشكّ بوجوبه عليه في حال إتيان الغير به يصحّ له الرجوع إلى البراءة في مقام الشكّ المذكور » (١).
٢ ـ إنّ الأصل الاشتغال ، وذلك ببيان أنّه من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، والأصل فيه هو التعيين ، ولازمه الاشتغال وعدم سقوط الفعل بفعل غيره.
٣ ـ التفصيل بين ما إذا كان التكليف دائراً بين فعل نفسه وفعل غيره تبرّعاً فالحقّ حينئذٍ مع المحقّق العراقي رحمهالله من أنّ الأصل هو البراءة ، لأنّ فعل الغير ليس عدلاً لفعل المكلّف حتّى يتصوّر التخيير ويكون المورد من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير كما مرّ ، وفي ما إذا كان التكليف دائراً بين فعل نفسه والاستنابة فالأصل هو الاشتغال ، حيث إنّ الاستنابة أيضاً تكون من فعل المكلّف ، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير ، والأصل فيه هو التعيين الذي لازمه الاشتغال.
أقول : الصحيح هو القول الثالث أي التفصيل ، أمّا إذا كان المحتمل من قبيل الواجب التخييري فلأنّه من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير بناءً على وجوب الاحتياط فيه ، وأمّا إذا كان من قبيل افناء الموضوع فلأنّ الشكّ يرجع إلى الشكّ في انتفاء الموضوع وعدمه ، والأصل حينئذٍ هو استصحاب بقاء الموضوع أو الاشتغال كما لا يخفى.
__________________
(١) بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٢٤٨.